وأما قول شيخ الإسلام 14: وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنةٌ وبدعةٌ = استحقَّ من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر فيجتمع في الشخص الواحد موجباتُ الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا. وهذا كاللصِّ الفقير: تُقطَعُ يدُهُ، ويُعطَى من بيت المال ما يكفيه. أهـ
فهذا النص منه رحمه الله حق وصدق فإن كان الكافر لا يكون شر محض فالمسلم من باب أولى , لكن يخطئ من يجعل هذا النص من شيخ الإسلام ناسخاً أو معارضاً لما تقرر من منهج السلف تجاه أهل البدع , بل أن ابن تيمية في أخر هذا الكلام ضرب مثلاً للسارق ولم يجعل المثل في صاحب بدعة فتنبه.
وأيضاً نقول أن المؤمن مأمور بالعدل والإنصاف مع من يقاتلهم من الكفار فكيف بمن لازال على دين الإسلام , فكما أن قتال الكفار لم يمنع إقامة العدل لهم , كذلك هجر المبتدع وذمه والتنفير عنه لا يمنع من استيفاء حقوقه من قِبَل المؤمن الهاجر ولا يهتدي إلى هذا الأصل إلا من كان صادقاً في القيام بهذا وهذا وسلفنا الصالح خير من قام بهذا وهذا.
يقول الدكتور الشريف عفا الله عنه:
أن التشديدَ مع أهل البدع خلافُ الأصل فيهم (وهذا أوّلاً)، (وثانيًا): أنّ التشديدَ معهم ينبغي أن يكون بالقَدْرِ الذي نظنّ أنه سيُصلحه أو يدفع إفسادَه، دون مجاوزة هذا الحدّ؛ لأنه ما زال مسلمًا. وإذا كان صاحبَ تَدَيُّنٍ وتعظيمٍ لحرمات الدين مع بدعته، فهذا يستحق من هذه الجهة ما يستحقُّهُ المؤمنون من الإكرام وحفظ الحقوق. أهـ
أقول:
لو قمنا برد هذا الكلام الى السنة المطهرة وفعل الصحابة المهديين والخلفاء الراشدين رضي الله عنهم اجمعين , لما وجدنا ما يشهد له أو يعضده بل هناك من السنن ما يخالف هذا التقرير الباطل من الدكتور الشريف عفا الله عنه ومن ذلك إنكار النبي عليه الصلاة والسلام على خيار الصحابة الرهبانية التي عزم على فعلها وشدد عليه الصلاة والسلام عليهم حتى قال من رغب عن سنتي فليس مني.
ومن ذلك فعل عمر مع صبيغ حتى روى ابن حجر 15 في ترجمه صبيغ أنه ضُرب مائة سوط فلما برئ دعاه فضربه مائة أخرى ثم حمله على قتب وكتب إلى أبي موسى حرم على الناس مجالسته وفي رواية وكتب إلينا عمر لا تجالسوه قال فلو جاء ونحن مائة لتفرقنا.
فالأصل في أهل البدع قوله عليه الصلاة والسلام: " من رغب عن سنتي فليس مني " فمن كان ذا قدرة من الأمراء بأن يفعل بهم مثل ما فعل عمر رضي الله عنه فهو واجب عليه وهذا في حال قوة أهل السنة وأما إن كان حال أهل السنة الضعف والقلة كما كان حال شيخ الإسلام في بعض فترات حياته فيجب جهادهم بالعلم والقلم ولا يسقط هذا بحال عن أهل العلم العاملين وذلك لقوله تعالى {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ} [البقرة:159]
وأخيراً قول الدكتور الشريف:
وبذلك يتضح أن تصوّرنا بأن منهج التعامل مع المبتدعة والبدع منهجٌ واحد خطأٌ كبير في التصوُّرِ، ويخالف ما كان عليه السلف فانظر تعظيمَهم لبعض من تلبّس ببدعة، إذا كان فيه من العلم والإيمان ما يغلب فسادَ بدعته: كقتادة بن دعامة القدري وانظر تفريقهم بين الداعية وغير الداعية، وبين المعاند والمتأوّل. أهـ
أقول:
الأصل في منهج السلف تجاه أهل الأهواء والبدع معلوم منثور في كتب السنة , وأما المستثنى من ذلك فلا يجوز أن نجعله أصلاً وحكماً عاماً تجاه جميع أهل البدع.
فكل بدعة ضلالة ويجب ردها وإن كان صاحبها من يكون في العلم والعمل , مع حفظ مكانة أهل العلم والفضل الذابين عن السنة والداعين لها والمحكمين لها في جميع أقوالهم وأفعالهم.
والمشكلة اليوم 16هي أن بعض الفضلاء يشكل عليهم هذا المنهج السلفي الحق في التعامل مع أهل البدع والأهواء وذلك لكثرة البدع والأهواء اليوم فمن أراد أن يطبق هذا الحق يجد نفسه غريباً فيؤثر السلامة – في ظنه – وخصوصاً أن البدع اليوم يحدثها أناس من بني جلدتنا بل وبعضهم إخوان لنا وجيران فيستعصى على البعض أن يطبق منهج السلف في مثل هولاء من ذوي القربى وكأن الموالاة والمعادة قائمة على هذه القرابة وليست على الحق!!
¥