فأهل البدع وأصحاب الفسق طائفتان مخالفتان لأهل الحق.
وسوف أخص مقالي بإحدى الطائفتين, وهم المبتدعة, لغموض شأنها, ولقلّة التأصيل فيها.
ولا شك أن لأهل البدع تقسيماتٍ عديدة، تختلف باختلاف مناط التقسيم. لكنَّ أهمَّ تقسيماتهم: ما يتعلق بالحُكم عليهم إسلامًا وكفرًا، وإيمانًا وفسقًا؛ لأن هذا التقسيم هو الذي ستُبنَى عليه أحكامٌ كثيرةٌ فيما يتعلّق بحكم المبتدع في الدنيا، وحكمه في الآخرة أيضًا.
والحكم على المبتدع بالإسلام أو الكفر, وبالإيمان أو الفسق, مرجعه إلى أمرين: إلى النظرِ في البدعة نفسها، والنظرِ في حال المبتدع نفسه.
وبيان ذلك: أن البدعةَ إما أن تكون بدعةً كُفْريةً، أو غيرَ كُفريةٍ. والبدعة الكُفرية: إما أن تكون مناقضةً لصريح دلالة الشهادتين (1) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#1), فهذه يُكَفَّرُ أصحابها على التعيين، ولا نعذرهم في أحكامنا عليهم بجهلٍ أو تأوّلٍ أو شُبْهةٍ. أو أن تكون البدعةُ الكُفريةُ غيرَ مناقضةٍ لصريح دلالة الشهادتين, لكنها تُعارِضُ أمرًا مقطوعًا به في الدين, وهذه يُمكنُ الإعذارُ فيها بالأعذار التي مرجعها إلى الجهل أوالخطأ، لكن إن أُقيمت الحجة على أصحابها (إقامةً صحيحة) فحينئذٍ يُمكن لأهل العلم تكفيرُهم (2) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#3). وإما أن تكون بدعتُهم بدعةً غيرَ كفريةٍ أصلاً, وهي التي لا تعارض أمرًا مقطوعًا به في الدين، فهذه لا يُكفَّرُ بها أحدٌ .. لا المتأوِّل ولا المعاند، لكنه قد يُفَسَّقُ إذا أُقيمت الحجة عليه، فتبيَّن إصراره وعنادُه.
فهذه ثلاثة أقسام للبدعة، مع بيان أحوال أصحابها إيمانًا وفسقًا وكفرًا.
وسأخصُّ هذا المقال بالمبتدع المسلم، وهو من كانت بدعته غيرَ كُفرية أصلاً، أو من كانت بدعتُه كفريةً، لكنها لا تناقِضُ دلالةَ الشهادتين، ولذلك يُعذر فيها بالجهل والخطأ، قبل إقامة الحجة الصحيحة عليه (3) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#5).
فهؤلاء: تستحق بِدَعُهم التشديدَ في ردّها، والحرصَ على استيفاءِ بيانِ بطلانها، بكل ما من شأنه أن يحقق مصلحة قَمْعِ هذا الرأي الذي يُحرّف حقائقَ الدين؛ إذْ في كُلِّ بدعةٍ تحريفٌ لحقائق الدين، بحسب غلظها أو خفّتها (4) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#7). فيجب أن تُرَدَّ تلك البدع، بكل قوّة ووضوح، دون مداراة أو مجاملة (ما أمكن ذلك)، وبالوسائل الشرعية الممكنة جميعها.
لكن هذا التشديدَ والغِلَظَ يخصّ البدعةَ نفسَها والرأي المبتدعَ عينَه، دون قائله وصاحبه، والذي هو غالبًا من المتأوّلين، الذين الأصل فيهم الإعذارُ بالجهل والشُّبَهِ الصارفةِ عن الحق. وتأوّلُ المبتدع (الذي يُعذَرُ معه عندنا في الظاهر) يستوجب أن يكون الأصلُ عدمَ التشديدِ عليه، بل ينبغي أن يكون إعذارُهُ واضحًا في تعاملنا معه، من جهة الرفق به وعدم تنفيره بالغلظة عن الحق وأهل الحق. ولا يصحُّ أن نُقَرِّرَ إعذارَه، ثمّ نُغْفِلُ تقريرَنا هذا في منهج تعاملِنا معه. بل لا ننسى أن المبتدع قد يكون مأجورًا في بدعته (لا عليها)، ومن جهتين: من جهة أنه اجتهدَ فأخطأ، ومن جهة أنه قد يكون دَاعِيْهِ إلى البدعة حُبَّ الله تعالى وحبَّ رسوله -صلى الله عليه وسلم-، كما قال شيخ الإسلام ابن تيميّة عمن يقيم بدعةَ المولد، وأنه يؤجر على محبّته للنبي (صلى الله عليه وسلم)، لا على بدعته (5) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#9).
¥