تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بل الذي ينبغي علينا أن لا نَغْفُلَ عنه أبدًا تجاه المبتدع الذي لم يَكْفُرْ، أي الذي لم يخرج عن الإسلام، أنّ حقوقَ المسلم على المسلم (التي بيّنتها نصوصُ الوحيين) تشمله، وله فيها ما لغيره من جميع المسلمين، سواء أفسّقْناهُ ببدعته (6) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#11)، أو كان عدلًا عندنا. فللمبتدع على السُّنّي أن يُوَفِّيَهُ حقَّهُ الإسلاميَّ العامّ، الذي ألزمت النصوصُ به كلَّ مسلمٍ لكلِّ مسلمٍ لم يخرج عن الإسلام. ولا يجوز على السُّنّي أن يَنْتَقِصَ المبتدعَ حقًّا أوجبه اللهُ تعالى له بالآراء وحظوظ النفس أوبالمُعَاداةِ والمُباغضةِ غيرِ المنضبطة بالشرع (7) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#13)؛ إلا إذا كان للمبتدع إفسادٌ, فيُنْتَقَصُ من حقوقه بقدْرِ ما يدفع إفسادَهُ (8) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#15)، دون تجاوُزٍ ولا اعتداءٍ على هذا القَدْر!!

وهذا يعني أن عقوبة المبتدع حُكْمٌ مَصْلَحِيٌّ، ليس هو بالحكم الثابت في حقّ كل مبتدع. وإذا قلنا عن حُكمٍ ما: إنه مصلحي، فهذا يعني أنه لا يُشرَعُ العمل به إلا إذا علمنا أنه سيؤدّي إلى مصالحه، وإلا فلا يُشرَعُ العملُ به. ويعني أيضًا أنه لا يحق لكل أحد أن يقرِّر مشروعيته، ولكنّ تقريرَ ذلك محصورٌ في أهل العدل والتحرير من أهل العلم.

وخلاصة ذلك: أن عقوبةَ المبتدع خلافُ الأصل الذي نرجع إليه عند عدم العلم بحصولِ المصلحةِ المرجوّةِ من العقوبة، وهذا الأصلُ المرجوعُ إليه حينها هو: أنه مسلمٌ، له ما للمسلمين من الحقوق. كما نَخْلُصُ من ذلك أيضًا: بأن مشروعيةَ عقوبةِ المبتدع تختلفُ من شخصٍ إلى شخص، ومن حالٍ إلى حال، وأن هذه العقوبة أيضًا مَظِنّةُ اختلافٍ بين أهل العلم: فهذا يرى عقوبةَ مبتدعٍ معيّنٍ لتحقُّقِ المصلحة منها عنده، والآخر لا يرى عقوبته لعدم تحقُّقِ المصلحة منها عنده، فلا يسوغُ الإنكار على أحدهما قبل أن نُثبِتَ له خطأه.

وأما من ظن أن البدعة وحدها تستوجبُ عقوبةَ صاحبِها مطلقًا، فأباح لنفسه أن ينتقص من حقوق المسلم المبتدِعِ ما شاء من حقوقِهِ الثابتةِ له بالإسلام، فقد أخطأ خطأً بيِّنًا, وأوشك أن يستوجب عقوبةَ خالقِه على ظُلمه واعتدائه.

وسأضرب هنا مَثَلًا بأحد أظهر الحقوق التي يُظَنُّ أنها مُنْتَقَصَةٌ من الحقوق الإسلاميّة للمبتدع، ألا وهو تحريم هجر المسلم فوق ثلاثة أيام، لقول رسول الله –صلى الله عليه وسلم-: «لا يحلُّ لمسلمٍ أن يهجُرَ أخاه فوقَ ثلاثِ ليالٍ، يلتقيان فَيُعْرِضُ هذا ويُعرضُ هذا، وخيرُهما الذي يبدأ صاحبَه بالسلام» (9) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#17).

فقد تعارضتِ الأقوالُ والمذاهبُ المنسوبةُ إلى السلف في هجر المبتدع، فلا يصحُّ بعد هذا التعارُضِ أن أنقلَها دون تحرير.

ومن أهمّ ما أُذكِّرُ به لتحرير مذاهب السلف في مسألة هجر المبتدع: ما سنثبته قريبا (إن شاء الله) من أن المسلمين من أهل البدع عند السلف مقبولو الشهادةِ والرواية، وهذا يدل على أنهم عدولٌ عندهم، فلا يصح أن أُقَرّر هذا الأصل عن السلف ثم أنقضُه بقولٍ أنسبُه إليهم، بأن أدّعي أن حكمَ التعامل مع المبتدع عندهم هو هجرُه مطلقًا؛ لأن هذا يُناقضُ ما دلَّ عليه موقفُ السلف الذي قرَّرَ أن من أهل البدع مَن يكون عدلا مؤمنًا عندهم، بدليل قبولهم شهادةَ أهلِ البدع وروايتِهم، ويعارضُ (قبل ذلك) حُكمَ السلف (وحُكمَنا) لأهل البدع بالإسلامِ، ويعارضُ أيضًا إعذارَهم بالتأوّل.

وقد تأتي عباراتٌ عن السلف في هذا الباب قد يظنها بعضُنا متناقضة، وقد يكون التناقُضُ في فهمنا لها، لا في تلك العبارات! فيعمد بعضُنا إلى انتقاء ما يريد، وترك ما لا يريد، لا لعدم اطلاعه على ما لا يرتضيه، ولا لكونه قد وجّهَ ما لا يرتضيه توجيها سائغا على ما وَفْقِ ما يرتضيه، ولكنه أغفله وتَعَامَى عنه لأنه لا يرتضيه فقط!!

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير