تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ويحق لابن عبد البر أن يتأوَّل عبارات الإمام مالكٍ، لا لكونه عالمًا بمذهبه فقط، ولا لكون ظاهر مقالته خطأً جليًّا يُنزّهُ الإمامُ عن مثله، ولا لكونه قولا شاذًّا عن مذاهب العلماء (حسب تعبير ابن عبد البر)، بل لكونه يعارضُ أقوالاً ومواقفَ أخرى للإمام مالك! من مثل قوله، وقد سُئل: «كيف رويتَ عن داود بن الحصين، وثور بن زيد، وغيرهم، وكانوا يُرمون بالقدر؟ فقال: إنهم كانوا لأن يخرُّوا من السماء إلى الأرض أسهل عليهم من أن يكذبوا» (18) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#35).

فما ذكره الإمام مالك من ذلك التشديدِ على أهل البدع إنما هو تأديبٌ لهم، فلا يُشرَعُ إلا إذا ظن العلماءُ المحرّرون (لا كل أحد) أن ذلك التشديدَ سيُؤدّبهم ويردعهم، أو كان لهم إفسادٌ لا يُدفَعُ إلا بتلك العقوبات التي يُحدِّدُها العلماءُ وحدهم أيضًا. وهذا يعني أن تلك العقوبات ليست هي الأصل في التعامل مع أهل البدع، إلا إذا كانت مؤدّيةً لمصالحِها, وأنهم في ذلك كالمسلم العاصي تمامًا، فلا يُختَصُّ أهلُ البدع بتلك الأحكام! وإنما خصّهم مالكٌ وغيره من السلف بالذكر أحيانًا؛ لأن تأوُّلَ المبتدعِ وصلاحَه قد يُظَنُّ معه أن إيقاع ذلك التعزيرِ به غيرُ جائز مطلقًا.

وهذا هو صريحُ تقريرِ شيخ الإسلام ابن تيمية أيضًا، حيث قال: «والتعزير لمن ظهر منه تركُ الواجبات وفعل المحرّمات، كتارك الصلاة والتظاهُرِ بالمظالم والفواحش، والداعي إلى البدع المخالفة للكتاب والسنة وإجماع سلف الأمة التي ظهر أنها بدع. وهذا حقيقة قول السلف والأئمة: إن الدُّعاة إلى البدع لا تُقبل شهادتهم، ولا يُصلَّى خلفهم، ولا يؤخذ عنهم العلم، ولا يُناكَحون. فهذه عقوبة لهم حتى ينتهوا؛ ولهذا فرّقوا بين الداعية وغير الداعية (19) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#37)؛ لأن الداعية أظهر المنكرات، فاستحقّ العقوبة، بخلاف الكاتم، فإنه ليس شرًّا من المنافقين الذين كان النبي –صلى الله عليه وسلم- يقبَلُ علانيتهم، ويكِلُ سرائرَهم إلى الله ... » (20) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#39)، ثم صرّحَ عَقِبَ هذا الكلام أن مناطَ ذلك راجعٌ إلى المصلحة المترتِّبة عليه، في كلامه المنقول آنفًا عن الهجر.

وبسبب أمثال تلك العبارات التي تحتاج إلى تريّثٍ وعلمٍ لفهمها، وتحتاج آحادُها إلى عرضٍ على الكتاب والسنة، جاء الخطأ في تعاملنا مع المبتدع. وتَرسَّخَ هذا الخطأُ أيضًا بسبب الخلط بين أمرين: أمرِ خطورةِ البدعة على الدين, وأمرِ منهجِ التعامل مع صاحب البدعة، الذي نُقرِّرُ أن الأصلَ فيه التأوّلُ الذي يُعذَرُ صاحبُه ويُؤجَر؛ وما كان ينبغي أن نخلط بين هذين الأمرين!!

ولا شك أنّ الانفصالَ التّامَّ بين البدعةِ و المتلبِّسِ بها غيرُ مُمكنٍ وغيرُ صحيح؛ ولذلك إذا انضمّت إلى البدعة دعوةٌ إليها، ومعاداةٌ لأهل السنة المخالفين للبدعة = استحقّ هذا الداعي من التشديد عليه بقدر ما يدفع إفسادَه، مع اعتقادنا (وثبوت هذا الاعتقاد) أنه قد يكون معذورًا مأجورًا في واقع الحال؛ لتأوّله وللشُّبَهِ التي عنده. فدَفْعُ الإفسادِ شيءٌ، وحُكمُ صاحبِهِ من جهة الإعذار شيءٌ آخر.

وهذا التقرير (أعود فأقول): إنه يعني أن التشديدَ مع أهل البدع خلافُ الأصل فيهم (وهذا أوّلاً)، (وثانيًا): أنّ التشديدَ معهم ينبغي أن يكون بالقَدْرِ الذي نظنّ أنه سيُصلحه (21) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#41) أو يدفع إفسادَه، دون مجاوزة هذا الحدّ؛ لأنه ما زال مسلمًا. وإذا كان صاحبَ تَدَيُّنٍ وتعظيمٍ لحرمات الدين مع بدعته، فهذا يستحق من هذه الجهة ما يستحقُّهُ المؤمنون من الإكرام وحفظ الحقوق. (وثالثاً): أن الموازنة بين: صلاح المبتدع وعصيانه (من غير وجه البدعة)، وبدعتِه غلظةً وخِفّةً، ودرجة إعذاره (22) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#43)، وإن كان له إفسادٌ ببدعته (دعوةً أو قتالًا عليها) أو ليس له إفساد ببدعته = فالموازنة بين هذه الأمور الأربعة، مع ما يثبتُ للمبتدع غير

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير