المكفَّر (أي المسلم) من حق الإسلام العام، هي الوسيلة الدقيقة والعميقة والعادلة لمعرفة منهج التعامل مع صاحب البدعة المعيَّن. وهذا مما لا يستطيع تنزيلَه على الأعيان جميعُ الناس، بل لا يقدر على تحقيقه إلا العلماءُ الراسخون المحرِّرون.
وهذا شيخُ الإسلام ابن تيمية يقرِّرُ ذلك فيقول: «وإذا اجتمع في الرجل الواحد: خيرٌ وشرٌّ، وفجورٌ وطاعةٌ ومعصيةٌ، وسنةٌ وبدعةٌ = استحقَّ من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير، واستحقَّ من المعاداة والعقاب بحسب ما فيه من الشر. فيجتمع في الشخص الواحد موجباتُ الإكرام والإهانة، فيجتمع له من هذا وهذا. وهذا كاللصِّ الفقير: تُقطَعُ يدُهُ، ويُعطَى من بيت المال ما يكفيه. هذا هو الأصل الذي اتفق عليه أهلُ السنة والجماعة، وخالفهم الخوارجُ والمعتزلةُ ومن وافقهم، فلم يجعلوا الناسَ: إلا مستحقًّا للثواب فقط، وإلا مستحقًّا للعقاب فقط ... » (23) ( http://www.islamtoday.net/questions/show_articles_*******.cfm?id=71&catid=73&artid=8957#45).
وبذلك يتضح أن تصوّرنا بأن منهج التعامل مع المبتدعة والبدع منهجٌ واحد خطأٌ كبير في التصوُّرِ، ويخالف ما كان عليه السلف:
فانظر تعظيمَهم لبعض من تلبّس ببدعة، إذا كان فيه من العلم والإيمان ما يغلب فسادَ بدعته: كقتادة بن دعامة القدري.
وانظر تفريقهم بين الداعية وغير الداعية، وبين المعاند والمتأوّل.
هل تظنّ أن السلف والأئمة كانوا يقدّمون كبار الفساق وناشري الفجور والفواحش والزنا والربا غير المتلبّسين ببدعة على أولئك الجلّة من العلماء الذين ضلّوا فابتدعوا، كقتادة القدري، وعبد الرزاق الشيعي، وعُبيد الله بن موسى العبسي الرافضي، وأبي معاوية الضرير رأس المرجئة وداعيتهم، والعزّ ابن عبد السلام الأشعري, وغيرهم ممن وُصفوا ببدعة، وربما وُصفوا بغلوٍّ فيها، أو دعوةٍ إليها، ومع ذلك .. لا تكاد ترى (بعدما وُصِفوا به من البدعة وحالِهم معها) في ترجماتهم إلا ما يدل على إجلال الأئمة لهم، وحفاوتهم بهم وبعلومهم، أو على حُكمهم عليهم بالعدالة والثقةِ، وأنهم من المعظِّمين لحُرُمات الدّين، مما جَوَّزَ للأئمة قَبولَ رواياتهم عن النبي –صلى الله عليه وسلم-، وأوجبَ قَبول شهاداتهم في القضاء أيضًا؛ لأنهم رَأَوْا فيهم من مراقبة الله تعالى ومن إجلال مقام الوقوف أمامه سبحانه ما يحجزهم عن الكذب على رسول الله –صلى الله عليه وسلم-، و يمنعهم عن شهادة الزور.
والله إن من يُقَدّمُ كبارَ الفُسّاق بوصفهم أنهم من طائفتنا: (أهل السنة)، لمجرّد أنهم لم يتلبّسوا ببدعة، مع عظيم إجرامِهم، على أولئك الجِلّةِ من أهل العلم والصلاح والجهاد، لمجرّد أنهم اجتهدوا فأخطؤوا وابتدعوا، بإخراجهم عن طائفتنا: (ليسوا من أهل السنة) = إنه لظالم لنفسه مبين!
وتالله إن تقسيمًا يقع جرّاءَه ذلك الظلمُ .. ليس من دين الله تعالى!!
فإمّا أنه تقسيمٌ كان يُطبَّق على حسب التعامل الشرعي المشروح آنفاً، وحينها يكون تقسيمًا اعتباريًّا، المقصودُ منه التأكيدُ على خطورة البدعة، وخطورة الاغترار بصلاح صاحبها في تسويق بدعته .. إلى هنا فقط، دونما يمارسه بعضُنا من التقديم المطلق للفاسق من أهل السنّة (!!) على المبتدع، ودون أن يؤدي ذلك الوصفُ إلى الإلغاء المطلق لحقوقٍ واجبةٍ لذلك المبتدع المسلم، ودون أن يُنسي تقريرُ ذلك التقسيمِ وطولُ استعماله أنه يجبُ أن تُراعَى فيه مصالحُه ومفاسدُه.
وإما أن تقول: إنه تقسيمٌ شرعيٌّ ثابت، يقتضي تقديمَ الفجرة الأشقياء ممن لم يتلبَّس ببدعة، على البررة الأتقياء ممن تلبّس ببدعة!! بحجّة أنّ السلف درجوا عليه، وبزعم أنه من الدين!!!
لكن هذا الإصرار على الباطل يقدح في السلف والدين، لظلمه وجوره!!!
ولا شك أن الصواب هو الاحتمال الأول، وهو أن هذا التقسيم مصلحيٌّ اعتباري، فيخضع تطبيقُه واستعماله لمصالحه ومفاسده، وإذا أُحسنَ استخدامُه فقط.
ولكي تعلم أن تقسيم الأمة إلى سُني وبِدعي تقسيمٌ اعتباريٌّ مصلحيّ، عليك أن تتأمّلَ الأوصافَ الشرعيةَ التي أَنزلتِ العِبَادَ منازلهم من الدين، وأن تنظر في المبتدع: أيُّ الأوصاف منها وَصْفُه؟ وفي أيِّ منازلها وضعتْهُ الشريعةُ؟
¥