والعلماء من أهل الطب قد درسوا هذه الخلية التي يتكون منها الجنين , وحاولوا أن يتعرفوا سر خلقها , فاكتشفوا أن مركزية هذه الخلية هي ما يسمى بالنواة , بحيث إن غياب هذه النواة يجعل استمرار هذه الحياة مستحيلا إلا في حالات استثنائية كما يقولون , ومن هنا ظن العلماء أن سر الحياة يكمن في النواة فانطلقوا ينقبون ليكشفوا أسرار هذه النواة وعجائبها ثم فوجئوا بأنهم أمام أشكال عجيبة غريبة ضمن هذه النواة , تحب وتتعطش للألوان بشكل غريب , هذه الأشكال الغريبة التي هي أشبه ما يكون بالمقصات هي ما يسمى بالكروموسومات , عثر فيها على سر خطير هو سر الوراثة بالنسبة لخلق الإنسان , فهي ملخص للإنسان في جزء صغير جدا , فكل ما بالإنسان من أخلاط ومزاج وعروق ودم وعروق وسمات ومزايا وأذواق وأشكال ولحم وعظام ولون وقامة كل ذلك قد تلخص بمقدار يسير هو واحد من المليون! جعلت فيه كل هذه الخصائص فانظر إلى دقة صنع الله عزوجل.
البشر لو استطاعوا أن يصنعوا جهازا مسجلا صغيرا أو استطاعوا أن يصنعوا كاميرا صغيرى أو نحو ذلك عُدّ ذلك إنجازا عظيما! , ثم أيضا بعدما يحصل هذا اللقاح لهذه البويضة فإن نمو الإنسان لا يمشي على وتيرة واحدة وتسلسل واحد , فهو يمشي بأحوال وأطوار متعددة , مرة في زيادة الخلايا فتصبح هذه رجل وهذه يد , وفي آخر المراحل يزيد وزن الجنين ليخرج بأحسن صورة , فمن الذي قدر له هذا التقدير؟ فإذا صار الإنسان عمره ثمانين يوما فإنه يبدو على هيئة إنسان صغير , ثم بعد ذلك تتخلق العين والأحشاء والأطراف وما إلى ذلك.
وقفة تأمل في الفم:
· انظر إلى فمك هذا الذي تأكل به الطعام , فحينما تتأمل في هذه الأسنان فإنك تجد ثلاثة أنواع منها: القواطع , والأنياب , والأضراس , وهذه الأخيرة أي الأضراس على نوعين: أضراس أمامية , وأضراس خلفية, وأما القواطع والأنياب فلكل منها جذر واحد , وأما الأضراس الأمامية فلها جذران , والأضراس الخلفية لها ثلاثة جذور نظرا لسعته وضخامته وامتلاءه , فمن الذي دبر هذا التدبير؟
ثم انظر إلى هذه الملائمة بين هذه الأسنان وبين هذه الأضراس , لماذا لا يخرج لبعض الناس أضراس في مقدمة الفم؟ وتكون الأسنان في آخر الفم! , هل رأيتم شيئا من ذلك؟
لماذا لا يكون بعض الناس بهذه المثابة؟ , ثم إذا كان الأمر متحدا في جميع الخلق , فلماذا كانت هذه في الأمام وهذه متوسطة وهذه متأخرة؟ ويكون بعض الأضراس بعد ذلك؟ ... أقول كل ذلك قسمه الله عزوجل وقدره ورتبه ترتيبا عجيبا ليتحقق من ذلك الغرض الذي خلق من أجله.
فهذه القواطع يقطع بها الإنسان الخبز ونحوه , ثم هو بعد ذلك بهذه الأنياب التي تنتهي برأس مدبب يناسب لتمزيق اللحوم وما شابهها , وأما الأضراس الأمامية والخلفية فإن نهايتها مسطحة وعليها رؤوس صغيرة مدببة , وذلك من أجل أن تعمل عملها في طحن هذا الطعام الذي قطعته ابتداءا في أول الفم , ثم بعد ذلك يوجهه اللسان يحركه يمنة ويسره ليتوزع على هذه الأضراس , ولولا وجود هذا اللسان لكان الطعام يتكتل في وسط الفم ثم يتعين الإنسان في توجيهه للأضراس , ويحتاج بعد ذلك إلى إعمال الأصابع لتوجيه الطعام للأضراس لتقوم بدورها المطلوب.
ثم انظر إلى هذا اللعاب الذي لو كان مستمرا لتعب الإنسان من كثرة التفل , ولو كان منقطعا قليلا لا يكفي لتعب الإنسان من مضغ الطعام ولغص بأدنى الأشياء , فالله عزوجل جعله يفرز إفرازا مقدرا مرتبا محددا يليق بالحال المطلوبة.
معرفة هذه الأمور ينمي معرفة الرب تبارك وتعالى , ويملأ نفس الإنسان وقلبه تعظيما للخالق جل جلاله , ويقوده قودا إلى الإقرار بوحدانيته.
فأقول في هذا الفم الذي نأكل به الطعام , أقول تأملوا كيف شقه الله عزوجل في أحسن موضع وفي أليق موضع , تصور لو كان هذا الفم في رجل الإنسان؟ أو في يده؟ أو كان خلف رأسه! كيف يكون حاله؟ وقد أودع الله فيه من المنافع وآلات الذوق والكلام وآلات الطحن والقطع ما يبهر العقول , وجعل الله عزوجل وسط هذا الفم جعل فيه اللسان وجعل فيه ترجمانا للملك أعني القلب , فهو يترجم عن منونات الإنسان ويخبر عما في فؤاده , فهو كالبريد عن القلب وكالرسول له, وجعل هذا البريد في حسن منيع فجعله مصونا محفوظا مستورا غير بارز ولا مكشوف , فالأذن مكشوفة والأنف مكشوف , وكذلك العين مكشوفة , لأن
¥