تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ومما يدل والله أعلم على أن الحَكم أبلغ من الحاكم , أنه لا يصح للإنسان أن يكني نفسه بأبي الحكم كما دل عليه حديث هاني بن يزيد رضي الله عنه بإسناد صحيح , وذلك أنه جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم حينما وفد قومه على النبي صلى الله عليه وسلم فسمعهم النبي يدعونه بأبي الحكم , فسأله النبي صلى الله عليه وسلم عن علة ذلك , فأخبره أن قومه كانوا إذا اختصموا وتشاجروا جاءوا إليه فحكم بينهم فرضوا بحكمه , فأثنى النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الصفة ولكن بين أمرا آخر فقال: إن الله هو الحَكم وإليه الحُكم , ثم سأله عن أولاده فذكر له عددا من الأولاد فقال من أكبرهم فذكر له شريحا , فقال أنت أبو شريح , فغير النبي صلى الله عليه وسلم هذه الكنية.

فبعض العلماء أخذ من هذا أنه لا يجوز التكني بأبي الحكم , وقالوا إن ذلك من الأسماء المختصة بالله عزوجل , وبعضهم توسط في هذا الباب ولعله أقرب , وهو أن الإنسان إذا تسمى بذلك أو تكنى به مراعاة للمعنى فذلك لا يجوز , يعني إذا قيل له ذلك بناءا على صفة فيه وهو أن يحكم بين الناس حكما عادلا أو يرتضونه فكني بذلك أو لقب به فذلك لا يجوز لأن فيه مضاهاة لاسم الله عزوجل فالله هو الحكم وإليه الحكم , وأما من سمي به بمجرد التسمية فإن ذلك لا إشكال فيه والله تعالى أعلم , وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم سأله عن علة ذلك ولم يغيره ابتداءا.

· جمع ابن القيم رحمه الله هذه المعاني في الحَكم والحكيم وذكر ذلك في نونيته ونظمه في بعض الأبيات فقال:

وهو الحكيم وذاك من أوصافه ** نوعان أيضا ما هما عدمان

حكم وإحكام فكل منهما ** نوعان أيضا ثابت البرهان

يعني أن الحكيم يتضمن الحكم , ويتضمن أيضا الإحكام , وحكم الله عزوجل نوعان كما قال ابن القيم رحمه الله فذكر أولا أنواع الحكم فقال:

والحكم شرعي وكوني ولا ** يتلازمان وما هما سيان

يعني أن أحكام الله عزوجل على قسمين:

- أحكام شرعية: وهي الشرائع التي شرعها , الحلال والحرام , فهذه أحكامه في غاية الإتقان , وليس فيها خلل بوجه من الوجوه , وهي أحكام صحيحة لا غلط فيها ولا تضارب ولا تناقض , وهي مبنية على حكم عظيمة وعلى غايات سديدة , فالله عزوجل عندما يأمر وينهى إنما ذلك لحكمة كبرى.

- أحكام كونية: وهي أحكامه الكونية القدرية , (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) , فهذه أحكام الله الكونية حيث أن الله عزوجل يدبر أمور هذا الكون جميعا بقوله كن , وأحكام الله الكونية أيضا هي في غاية الإتقان , وليس فيها خلل بوجه من الوجوه , وما أراده الله عزوجل كان وما لم يرده لم يكن , مهما حاول الناس منعه أو إيجاده , فالله عزوجل هو الذي يدبر ويقدر المقادير لا معقب لحكمه ولا راد لقضائه , جلت قدرته وتعالت أسماءه وصفاته , فهو يتصرف بهذا الكون بمقتضى الحكمة , فإذا أمرض أحدا فإن ذلك لحكمة يعلمها , وإذا أفقر أقواما وأغنى أخرين فذلك لحكمة يعلمها.

معنى قول ابن القيم رحمه الله (لا يتلازمان) أي لا تلازم بينهما , يعني مثلا الله حينما يأمر بالصلاة , قد يوجد أناس لا يصلون , فوجد بحقهم الحكم الشرعي , ولم يوجد الحكم الكوني , وهو فعل الصلاة من قبل المؤمن , فالمؤمن اجتمع فيه الحكم الكوني والحكم الشرعي , فالله أمر الصلاة تعلق به الحكم الشرعي , صلى تعلق به الحكم الكوني , وأما الكافر فإنه وجد فيه الحكم الشرعي وهو الأمر بالصلاة تعلق به لأنه مكلف , ولا يوجد في حقه الحكم الكوني لأنه لو وجد لصلى هذا الكافر.

وهكذا الأمر بالإيمان , أبو بكر رضي الله عنه حينما آمن , وجد فيه الحكم الكوني لأن إيمانه لم يقع إلا بإرادة الله عزوجل الكونية , ووجد فيه الحكم الشرعي حيث أنه امتثل أمر الله تبارك وتعالى , وأما أبو جهل مثلا فإنه وجد فيه الحكم الشرعي , وهو أنه مخاطب بالإيمان , ولو يوجد فيه الحكم الكوني حيث أنه لم يؤمن , لو أن الله قدر إيمانه لآمن , ولكنه وجد فيه حكم كوني آخر وهو أن الله كتب عليه الخزي والصغار والضلال فكفره فإنما هو بإرادة الله الكونية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير