تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهؤلاء كما قيل: الحق ما شهدت به الأعداء! , ولست بحاجة أن أورد هذا الكلام على مسامعكم أيها الإخوان , وأعتذر إليكم من إيراده , ولكن ماذا نقول بمن فتنوا بهؤلاء؟ , وأن من يرون بأن الميزان بين الحق والباطل ما يقرره هؤلاء وما يحقونه أو يبطلونه , فهؤلاء نقول لهم , هذا ما قاله حكماؤهم , فكيف بنا نستحي من أن نتلقى أحكام الله عزوجل , وأن نظهرها , وأن ندعو الناس إليها , وأن ننشرها في العالمين , كيف بنا نتردد في تطبيق ذلك في أنفسنا وفي أسرنا , كيف بنا أن نتحرج أحيانا أن نذكر الحكم الشرعي أمام هؤلاء الكفار , وكأننا نستحي كأن في الشريعة عارا أو نقصا نستحي أن ننتسب إليها أمام هؤلاء العمي البكم الصم الذين هانوا على الله عزوجل فأهانهم وأذلهم ولم ينعم عليهم بمعرفة هذا الحق المبين الواضح , ولم ينعم عليهم ويتفضل بهدايتهم له , فنحمد الله عزوجل حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه كما يحب ربنا ويرضى على أن هدانا إلى هذه الملة وهذه الشريعة بعد أن أضل عنها أكثر الخلق , ونحمده تبارك وتعالى أن علمنا من أحكامها وبصرنا فيها بأمور تشرح الصدر وتجلب السعادة وتحقق العدالة , وبها يرتفع كل سوء ومكروه عن مجتمعات المسلمين.

· ذكرنا لكم قبل أن أحكام الله عزوجل على قسمين:

- الأحكام الشرعية: وهي الحلال والحرام والأمر والنهي الدين والشريعة.

- الأحكام الكونية والقدرية: وهي قسمان:

القسم الأول: ما للعبد طريق إلى مدافعته , فهذا ينبغي على العبد أن يدافعه , فيدافع أقدار الله بأقدار الله عزوجل , وتوضيح ذلك: أن العبد إذا نزل به المرض فما الذي يصنع؟ هل يستسلم للقدر؟ عليه أن يرضى ويسلم وعليه أن يصبر , ولكن عليه أن يدافع القدر بالقدر , فيبحث عن العلاج ويتداوى وهذا كله من مدافعة القدر بالقدر فهذا لا إشكال فيه , إذا جاع الإنسان هذا الجوع أليس بقدر الله عزوجل؟ فكيف يدفعه العبد؟ يدفعه العبد أن يأكل , وهذا أمر مشروع , ونحن نعرف أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما قصد الشام فبلغه أن الطاعون قد نزل بها , ماذا فعل؟ أراد أن يرجع بعد أن استشار الصحابة رضي الله عنهم , فاعترض عليه أبو عبيدة عامر بن الجراح رضي الله عنه وهو أحد أمراء الأجناد , فقال: يا عمر أفرارا من قدر الله؟ فقال عمر رضي الله عنه: نفر من قدر الله إلى قدر الله , ثم ذكر له مثالا وقال: لو عندك إبل أو غنم , وعندك أرض معشبة , وأرض أخرى قاحلة , في أي الأرضين ترعى؟ , قال: في الأرض المعشبة , قال: أفرارا من قدر الله؟ ألزمه هذا الإلزام , فنحن عندما نفعل هذه الأشياء فإنما نفعله من باب مدافة القدر بالقدر.

القسم الثاني: وهو الذي لا يمكن للعبد أن يدافعه ,وحكم الله عزوجل به ولم يجد العبد المخرج والخلاص من ذلك فعليه أن يستسلم لأقدار الله تبارك وتعالى , فهذا غير القسم الأول , يعني القسم الأول المسلمون مثلا اليوم في ضعف والأعداء قد تسلطوا عليهم , وأخذوا كثيرا من بلادهم , ويذبحونهم ذبح النعاج , هذا بقدر الله عزوجل , لكن هل نستسلم لهذا القدر؟ الجواب: لا! , علينا أن دافع هذا القدر بقدر آخر , فنبحث عن أسباب القوة وأسباب الضعف لنتخلص من هذه الورطة التي نزلت بنا , فصارت أعراض المسلمات كلأً مباحا , وصارت دماؤهم هدرا , نبحث عن قدر الله عزوجل الذي نخرج به من هذه الورطة , أما القسم الآخر من القدر وهو الذي لا يمكن للعبد أن يدافعه , إذا نزل به الموت , أو مات له حبيب , أو نزل به علة , قال الأطباء لا سبيل للخلاص منها ولا يوجد علاج ولا يوجد شيء , فهنا على العبد أن يستسلم لقدر الله عزوجل وأن يتصبر ويرضى بما قسمه الله عزوجل له , غرقت تجارته , احترق متجره , وقع له حادث , ونحو ذلك , هذا كله بقدر الله عزوجل , ماذا يصنع؟ هل يلطم خده وينتف شعره ويولول على هذه المصيبة التي نزلت به؟ الجواب: لا , عليه أن يستسلم لقدر الله عزوجل , ويرضى ويعلم أنه ما نزلت مصيبة في الأرض ولا في السماء إلا في كتاب , والله عزوجل يقول: (الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ (156) أُوْلَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُوْلَئِكَ هُمْ الْمُهْتَدُونَ).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير