فالقسم الأول من الأقدار التي يمكن مدافعتها على العبد أن يرضى ولكن هذا الرضى لا يعني المدافعة , نزل بك المرض ترضى بما قدر الله لك , وتصبر على هذا المرض , لكن تدافع هذه العلة بقدر آخر.
وأما القسم الثاني وهو ما لا سبيل إلى مدافعته , فهنا التسليم التام الكامل , والرضى بحكم الله عزوجل , والانقياد بذلك , فلا يظهر من اللسان التسخط , ولا يظهر من جوارح العبد ما يدل على الاعتراض على حكم الله تبارك وتعالى , وإنما ينقاد لحكم ربه جل وعلا , لأنه يعلم أن ربه حكيم , وأنه كما قال صلى الله عليه وسلم: (عجبا لأمر المؤمن إن أمره كله له خير , إن أصابته ضراء صبر فكان خيرا له , وإن أصابته سراء شكر فكان خيرا له).
· هذه الأقدار التي يقدرها الله عزوجل إنما قدرها لحكم عظيمة قد تخفى علينا وقد يظهر بعضها وقد يظهر بعضها بعد حين , فتمنى هذا الإنسان أن هذه البنت ما طُلقت , ثم يتبين بعد ذلك أن هذا الطلاق هو عين الخيار لها , قد يتمنى هذا الإنسان أن رجله لم تنكسر , ويحزن لانكسارها ثم يعلم أن ثمة أمر آخر من الشر العظيم الذي حال دونه انكسار هذه الرجل , قد تفوت الإنسان الطائرة وهذا بقدر الله عزوجل , ثم يحزن ويولول ولربما شكى وذم أهله لأنهم لم يوقظوه ثم تسقط هذه الطائرة فيكون هذا القدر الذي وقع وهو فوات هذه الرحلة على هذا الإنسان إنما هو لخير أراده الله عزوجل له.
· يقول ابن القيم عن هذا النوع الأخير من أحكام الله عزوجل الكونية التي تجري على العبد من غير اختيار له ولا طاقة له بدفعها ولا حيلة له في منازعتها يقول:
فهذا حقه أن يتلقى بالاستسلام والمسالمة وترك المخاصمة , وأن يكون فيه كالميت بين يدي الغاسل , وكمن انكسر به المركب في لجة البحر وعجز عن السباحة وعن سبب يدنيه من النجاة , فهنا يحسن الاستسلام والمسالمة , مع أنه عليه في هذا الحكم عبوديات أخرى سوى التسلم والمسالمة , يعني هو مع تسليمه عليه أن يشهد عزة الحاكم في حكمه وهو الله عزوجل وهو في هذا المقام وعدله في قضائه وحكمته في جريانه عليه , وأنما أصابه لم يكن ليخطئه , وما أخطئه لم يكن ليصيبه , وأن الكتاب الأول سبق بذلك قبل بدء الخليقة , فقد جف القلم بما يلقاه كل عبد , فمن رضي فله الرضى , ومن سخط فله السخط , ويشهد أيضا أن القدر ما أصابه إلا لحكمة اقتضاها اسم الله الحكيم جل جلاله , وصفته الحكمة وأن القدر قد أصاب مواقعه وحل في المحل الذي ينبغي أن ينزل به , وأن ذلك أوجبه عدل الله وحكمته وعزته وعلمه وملكه العادل فهو موجب أسماءه الحسنى وصفاته العلى , فله عليه أكمل حمد وأتمه , كما أن له الحمد على جميع أفعاله وأوامره.
· مما يؤثره أيضا الإيمان بأن الله عزوجل حكيم: أن يقر في قلب العبد بمعرفة الله عزوجل وذلك بأن هذه الحكمة تقتضي ثبوت أوصاف الكمالات لله تبارك وتعالى.
وللحكيم جزءا آخرا ... نضعه بعون الله بعد الفراغ منه ..
ـ[عبدالله الوائلي]ــــــــ[08 - 05 - 07, 04:27 م]ـ
ولمن أراد أي مشاركة سابقة في ملف وورد منسق فله ذلك , علما بأني بإذن الله سأضع ملف وورد يوجد به كل الشروح ريثما أنتهي منها ..
ـ[عبدالله الوائلي]ــــــــ[10 - 05 - 07, 06:41 م]ـ
حينما يقال إن الله حكيم فهذا يقتضي أنه يرسل الرسل , وأيضا يقتضي أنه يجازي المحسنين على إحسانهم والمسيئين على إساءتهم , وأيضا يقتضي الثواب لأهل الإيمان , والعقاب لأهل الكفر , ويقتضي إيجاد الجنة , ويقتضي إيجاد النار.
· يقول ابن القيم رحمه الله: كل هذا العلم من اسمه الحكيم , كما هي طريقة القرآن في الاستدلال على هذه المطالب العظيمة بصفة الحكمة , والإنكار على من يزعم أنه خلق الخلق عبثا وسدا وباطلا , فحينئذ صفة حكمته تتضمن الشرع والقدر والثواب والعقاب , ولهذا كان أصح القولين أن المعاد يعلم بالعقل , وأن السمع ورد بتفصيل ما يدل العقل على إثباته.
ومعنى هذا الكلام: أي أن العقل يقتضي أن المظلوم لابد له من قصاص من هذا الظالم.
¥