, فلما كان يوم الأحزاب واجتمع الأعداء على رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى أصحابه من كل جانب وأحاطوا بالمدينة إحاطة السوار بالمعصم , تذكر أهل الإيمان هذه الحقيقة واستحضروها تمام الاستحضار: (وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلاَّ إِيمَاناً وَتَسْلِيماً) فالعبد المؤمن يتذكر هذا المعنى دائما إذا نزل به المرض , إذا نزلت به الشدائد , يتذكر وعد الله عزوجل له بالابتلاء , ويتذكر دائما (أم حسبتم) وأن هذه الدار هي دار ابتلاء , يتمحص فيها الطيب من الخبيث , فلا بد أن يمر عليه أمور تمحصه وتميز معدنه , فيظهر بذلك الصادق من الكاذب , ويقول الله عزوجل: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَلَمَّا يَعْلَمْ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ) فأنكر عليهم هذه الظنون الكاذبة والأوهام الزائفة.
وأما كون الله عزوجل لا يفرق بين المتماثلين فإن الله قرر هذا المعنى تماما بمثل قوله: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) , كما أن المجرمين يحشرون مع نظرائهم وأشباههم , وكذلك أهل الإيمان الذين يطيعون الله ويطيعون رسوله صلى الله عليه وسلم هؤلاء يكونون مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين , فإن الله لا يفرق بين المتماثلات , ويقول الله عزوجل: (وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) وبالمقابل: (الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍ) , ويقول أيضا في بيان هذا المعنى عن يوسف صلى الله عليه وسلم وما وقع له من العواقب الحميدة (وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً) وليس ذلك ليوسف فحسب وإنما قال الله مبينا للحكم العام (وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ) , ويقول الله عزوجل للكافرين الذين بعث فيهم النبي صلى الله عليه وسلم (أَكُفَّارُكُمْ خَيْرٌ مِنْ أُوْلَئِكُمْ) يعني الذين أهلكهم الله عزوجل , فإن هؤلاء متماثلون في الكفر , فأحكام الله جارية عليهم ولهذا قال: (دَمَّرَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ وَلِلْكَافِرِينَ أَمْثَالُهَا) ويبين هذا من سننه التي لا تتبدل ولا تتغير كما قال الله عزوجل: (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلاً) (سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ مِنْ رُسُلِنَا وَلا تَجِدُ لِسُنَّتِنَا تَحْوِيلاً) (سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ فِي عِبَادِهِ) , فسنة الله لا تتبدل ولا تتغير , وهذا كله من مقتضيات حكمته.
· قد يسأل بعضكم فيقول: إذا قلتم بأنه ليس في أفعال الله عزوجل شر , فما معنى خلق إبليس , وما معنى وجود الكفر , وما معنى وجود الأمراض والأسقام والعلل والمصائب والكوارث التي تحل بالناس؟
فيقال: هذه الأمور إنما هي واقعة في مفعولات الله وليست في أفعاله , فأفعاله كلها خير وكلها صواب وكلها حكمة , ولا معقب لحكم الله عزوجل ولا مستدرك عليه , ففعله تبارك وتعالى كله حق وكله هدى وكله صواب وهو في غاية الحكمة , ولكن المفعولات هي التي قد يوجد فيها بعض الشر , هي التي يكون منها ما يكون منها مكروها لكثير من الناس , والفرق بين الأفعال وبين المفعولات , الفعل هو صفة الرب , والمفعول هو الشيء الموجد المخلوق , فحينما نقول الخلق صفة الله عزوجل أنه يخلق هذا فعله , وحينما نقول المخلوق هذا هو المفعول , فالخلق أي أن الله يخلق هذه أفعاله كلها خير وأحكامها كلها خير , وأما المخلوقين الموجودين الذين يوجدهم الله عزوجل , فهؤلاء قد يكون في بعض مخلوقات الله بعض الأضرار وبعض الشرور ونحو ذلك , لا في صفته التي هي الفعل والتخليق , إنما يكون ذلك في نفس المخلوق.
وهذا الشر الذي يوجد في هذه المخلوقات , إنما يوجد لحكم كبار عظيمة , يحصل فيها نفع لكثير من المخلوقين وتتبين كثر من أسماء الله عزوجل , انظروا:
¥