· ومما يؤثره الإيمان بأن الله عزوجل هو الحميد: أن لا يضاف الشر إليه بحال من الأحوال , لا في أوصافه ولا في أفعاله , فالله عزوجل حميد أي أن الحمد له جميعا , فكل حمد على كمال مطلق إنما يستحقه الله عزوجل كما سبق , فكمال حمده يوجب ألا ينسب إليه شر ولا سوء ولا نقص , لا في أسمائه ولا في أفعاله ولا في صفاته , فأسمائه الحسنى تمنع نسبة الشر والسوء والظلم إليه , مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء , فهو الذي خلق الخير والشر , ولكن الشر في مفعولاته كما بينا في الكلام على بعض الأسماء الحسنى كما سبق , ولكن ليس في أفعاله شر , فالله هو الخالق للعباد ولأفعالهم ولحركاتهم وأقوالهم , والعبد إذا فعل القبيح المنهي عنه , كان قد فعل الشر والسوء , والرب جل وعلا هو الذي جعله فاعلا لذلك , وهذا الجعل من الرب تبارك وتعالى للعبد كذلك عدل وحكمة وصواب , فجعله العبد فاعلا هذا خير منه تبارك وتعالى , وهو خير في أفعاله , وأما هذه المفعولات التي تصدر من المخلوقين أحيانا مما لا يليق كالكفر والمعصية فهذه شر , ولكن الله عزوجل قدرها لحكمة يعلمها, فهو سبحانه في هذا الجعل قد وضع الشيء موضعه.
وهذا أمر معقول مشاهد , فإن الصانع الخبير إذا أخذ الخشبة العوجاء , والحجر المكسور, واللبنة الناقصة , ووضع ذلك في موضع يليق به ويناسبه , كان ذلك منه عدلا وصوابا يمدح به , وإن كان في المحل عوج ونقص وعيب يذم به المحل , ومن وضع الخبائث في موضعها , ومحلها اللائق بها كان ذلك حكمة وعدلا وصوابا , وإنما السفه والظلم أن يضعها بغير موضعها.
فمن وضع العمامة على الرأس , والنعل في الرجل , والكحل في العين , والزبالة في الكناسة , فقد وضع الشيء موضعه , ولم يظلم النعل والزبالة إذ هذا محلها , كما قال ابن القيم رحمه الله تعالى.
· ومما يؤثره أيضا معرفة أن الله حميد: أن تثني على ربك تبارك وتعالى بأوصاف الكمال , ويكون هذا الثناء صادرا منك عن تحقق ومعرفة بكمال هذا المحمود , وأنه مستحق لهذا الحمد الذي حمدته به , وهذا يعني أن تحاول معرفة معاني هذه الأمور التي تثني بها على الله عزوجل , فلا يكون ذلك جاريا على لسانك من غير معرفة بمعناه , ومن غير استحضار القلب لهذه الأشياء , فإذا كان العبد متحققا من هذه القضية كان متذوقا لهذا الحمد , وشتان من يجري الحمد على لسانه من غير مواطئة القلب ومن غير معرفة بحقائق هذه الأمور التي يضيفها إلى الله عزوجل شتان بينه وبين من يعرف حقيقة ما يتكلم به بلسانه.
· ومن آداب من عرف أنه الحميد سبحانه: أن يحبه وأن يمتلئ قلبه إجلالا لمن له صفات الكمال ونعوت الجلال والأسماء الحسنى , ومعلوم أن الخلق قد جبلوا على محبة الكمال , وعلى محبة الأوصاف الحميدة , هذا بالنسبة للمخلوقين مع بعضهم , فكيف بالخالق الذي له الكمال من كل وجه!.
فأنت إذا رأيت أحدا من المخلوقين قد كمل نفسه واتصف بأوصاف حسنة , فإن قلبك يميل إليه ويحبه , وكلما كان كماله أكثر كلما تعلقت به القلوب ومالت إليه أكثر من غيره , فالله عزوجل له أوصاف الكمال فينبغي أن يكون هو أعظم محمود.
· ومن آداب من عرف أنه الحميد سبحانه: ألا يلتفت عند حمده سبحانه والثناء عليه إلى شهود النعم والعطايا منه سبحانه , واستعظامها والوقوف عندها , بل يلزم قلبه عظمة المنعم ورحمته ولطفه وبره وإحسانه وحكمته.
· ومن الأمور التي يؤثرها الإيمان بأن الله عزوجل هو الحميد: أن نعرف أن الله عزوجل هو الذي يستحق الحمد والمدح حقيقة , إذا عرفت ذلك أيضا , فإن العبد يستحي من الله تبارك وتعالى حينما يسمع المخلوقين يلهجون بحمده بحمد المخلوق! , حينما يثني عليك الناس ويمدحونك ويحمدونك على بعض أوصاف الكمال فإنك تستحي من الله عزوجل , وتعرف أن هذا الحمد من المخلوقين إنما هو نتيجة لستر الله عزوجل عليك العيوب , ولهذا لما ذكر رجل الإمام أحمد ببعض الأوصاف الحميدة , قال إنما نعيش في ستر الله عزوجل , ولو شاء لفتضحنا , فإذا أرخى الله عزوجل على العبد ستره فإنه تخفى عيوبه على المخلوقين ولربما ظهرت بعض أوصافه الجميلة لهم , وهم لا يعرفون حاله على الحقيقة , فينبغي أن تعرف بان ثناء المخلوقين إنما هو بحسب الظاهر , وأن ذلك عائد إلى أن الله عزوجل سترك فتزداد حمدا لله تبارك وتعالى , ولهذا قال بعضهم: من مدحك إنما مدح ستر الله فيك , فالشكر لمن سترك وليس الشكر لمن مدحك وشكرك.
· الحمد هو أول ما افتتح به القرآن بحسب هذا الترتيب الموجود في المصحف , وهو الذي افتتحت به أعظم سورة في كتاب الله عزوجل وهي سورة الفاتحة , وهو الذي نلهج به في الصلاة وبعد الصلاة , وفي الصباح وفي المساء , وبعد الأكل والشرب , وإذا قمنا من النوم , وعند العطاس , وعند كل نجاح وتوفيق , وعند الفراغ من الأعمال, ويقوله المؤمنون عندما يدخلون الجنة فهم يحمدون الله عزوجل على ما أولاهم وأعطاهم من النعيم المقيم.
¥