· ووجه هذا الاقتران ظاهر , وذلك أن العفو في احسن المعاني التي فسر بها والله تعالى أعلم هو الذي يمحو أثر الذنب فلا يبقى له أثر , كما تقول محت الريح الأثر أي لم تبقي له شيئا البتة , فلا يجد العبد هذه الذنوب في صحيفته في الآخرة فيستحي من ربه , وإنما يذهب ذلك جميعا ويمحوه من صحائف أعماله , هذا العفو , والغفور هو الذي يقيه شؤمها وتبعتها والمؤاخذة بها ويستر ذلك عليه جميعا.
الاقتران بين اسم الله الغفور واسم الله العزيز:
· جاء اسم الله الغفور مقترنا باسم الله العزيز في موضعين اثنين , وجه المناسبة بين العزيز وبين الغفور , أن الله صدرت عنه هذه المغفرة لهذه الذنوب عن عزة , وليس عن ضعف ولا عن خوف ولا عن عجز من المؤاخذة , وإنما الخلق نواصيهم بيده , فهو قادر على أخذهم في أي ساعة شاء من ليلة أو نهار , لا يخرجون عن إرادته سبحانه وعن سلطانه , فالله تبارك وتعالى حينما يغفر لنا الذنوب يغفر عن عزة , وليس عن ضعف وعجز , والمخلوق قد يغفر ويتجاوز عن ضعف وعن عجز عن أخذ ثأره والاقتصاص ممن أساء إليه , أما الله عزوجل فإنه يغفر مع عزته وقدرته على الأخذ لهذا العبد الذي أجرم في حقه.
وكذلك يقال في وجه الاقتران بين اسم الله الغفار والعزيز مثل ما قيل بين الغفور والعزيز.
الاقتران بين اسم الله الغفور واسم الله الشكور:
· جاء اسم الله الغفور مقترنا باسم الله الشكور في ثلاثة مواضع , ووجه هذا الاقتران والله تعالى أعلم , أن الغفور كما عرفنا هو الذي يقي العبد شؤم الذنب فلا يؤاخذه به , كما أنه يستره , أما الشكور فهو الذي يجازي عن الحسنات إحسانا , فيجازي هذا العبد بإيمانه وبعمله الصالح وبتوبته يجازيه الحسنات , وهو أحد الوجوه المشهورة أيضا في تفسير قوله تعالى: (فَأُوْلَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ) , فعلى أحد الأوجه المشهورة في معناها أن هذه السيئات تقلب إلى حسنات فتتحول في ميزان العبد وفي صحيفته إلى حسنات تكون في رصيد عمله الصالح , فعلى هذا المعنى يكون هذا داخلا في معنى الشكور , لأن الشكور هو الذي يجازي عن الإحسان إحسانا , وهو الذي يكافئ العبد ويرد له عمله الصالح بالثواب الجزيل , قم إنه يضاعف ذلك , ولذلك يقول الله عزوجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُمْ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنتُمْ تَعْلَمُونَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) , فدل هذا على أن جزاء الإيمان غفران الذنوب وإدخال الجنات التي تجري من تحتها الأنهار.
الاقتران بين اسم الله الغفور واسم الله الودود:
· جاء اسم الله الغفور مقترنا باسم الله الودود مرة واحدة , والودود هو الذي يحب عباده المؤمنين , وهو الذي يُحب أيضا فهو دال على المعنيين , والمودة هي خالص المحبة , فهي محبة خاصة , فالودود والغفور وجه الاقتران بينهما ما عبر عنه ابن القيم بقوله: وما ألطف اقتران اسم الودود بالرحيم وبالغفور , فإن الرجل قد يغفر لمن أساء إليه ولا يحبه , ولذلك قد يرحم من لا يحب , والرب تعالى يغفر لعبده إذا تاب عليه ويرحمه ويحبه مع ذلك , فإنه يحب التوابين , وإذا تاب إليه عبده أحبه ولو كان منه ما كان , فإذا الله غفور ودود يغفر لنا ويحبنا أيضا مع غفره وعفوه وتجاوزه عن سيئاتنا , فهو غفر مع المحبة للعبد.
· يقول الخطابي رحمه الله: الغفار الستار لذنوب عباده , والمسدل عليهم ثوب عطفه ورأفته .. الخ.
· يقول الشيخ عبدالرحمن بن سعدي رحمه الله: العفور الغفور الغفار الذي لم يزل ولم يزال بالعفور معروفا , وبالغفران والصفح عن عباده موصوفا , كل أحد مضطر إلى عفوه ومغفرته , كما هو مضطر إلى رحمته وكرمه , وقد وعد بالمغفرة والعفو لمن أتى بأسبابها , قال تعالى: (وَإِنِّي لَغَفَّارٌ لِمَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ صَالِحاً ثُمَّ اهْتَدَى).
· يقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وهو الغفور فلو أتى بقرابها ** من غير شرك بل من العصيان
¥