لأتاه بالغفران من أقرابها ** سبحانه هو واسع الغفران
يعني لو أن العبد جاء بقراب الأرض من الخطايا دون الشكر , فإن الله عزوجل ياتيه ب قرابها من المغفرة.
10 - اسم الله عزوجل العفو:
وهو مما يقرب من اسم الله الغفور من جهة المعنى , والعفو صيغة مبالغة أي كثير العفو , تقول عفوت عن الشيء أعفو عنه إذا تركته , وأعفى عن ذنبه إذا ترك العقوبة عليه.
وأصل العفو أنه يدل على المحو , ومنه يقال عفت آثار القوم أي محت وانطمست , وعفت آثار الأقدام والخطى بمعنى انمحت إذا محتها الريح , ويقال عفا على هؤلاء الزمن أي أنه محى آثارهم ول يبق لهم ذكرا فصاروا نسيا منسيا.
هذا الاسم الكريم الذي يعني بالنسبة لله عزوجل أنه كثير العفو , كما قال ابن جرير رحمه الله بقوله: إن الله لم يزل عفوا عن ذنوب عباده , وتركه العقوبة على كثر منها ما لم يشركوا به , وكما قال الخطابي فيما معناه: هو من العفور وهو بناء المبالغة والعفو الصفح عن الذنوب وترك مجازاة المسيء.
ويقول ابن القيم رحمه الله في نونيته:
وهو العفو فعفوه وسع الورى ** لولاه غار الأرض بالسكان
أي لخسف بهم ودخلوا في جوفها.
الفرق بين العفو والغفور:
ذكر العلماء فيه وجوها وأقربها فيما أحسب والله أعلم , أن يقال بأن العفو هو الذي يمحو السيئات ويتجاوز عن المعاصي , وهو أبلغ بهذا الاعتبار من الغفور , لأن الغفران يدل على الستر , وعلى عدم المؤاخذة بهذا الذنب , وأما العفو فهو يعني أن يمحى الذنب بالكلية , بحيث إن العبد لا يجده أصلا في سيئات أعماله , ولا يعرض عليه في حال الحساب حينما يحاسبه الله تبارك وتعالى , فلا يجد ذلك ضمن الذنوب التي غفر الله عزوجل لها كما يقول: (سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم) , فهذا فيما غفره الله تبارك وتعالى من ذنوب العباد , وأما ما عفي عنه فقد محي بالكلية , ولهذا قلنا بأن الغفور هو الذي يستر ذنوب العباد ولا يؤاخذهم بهذه الجرائم , أي لا يعاقبهم عليها.
· ورد هذا الاسم الكريم العفو في خمس آيات في القرآن الكريم كما قال عزوجل:
- (فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَأَيْدِيكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً غَفُوراً) سورة النساء , في ذكر التيمم , وقرنه هنا كما في سائر المواضع إلا في موضع واحد قرنه مع الغفور , لتقاربهما فالله يمحو أثر الذنب ويقي العبد شؤمه فلا يؤاخذ العبد عليه.
- (فَأُوْلَئِكَ عَسَى اللَّهُ أَنْ يَعْفُوَ عَنْهُمْ وَكَانَ اللَّهُ عَفُوّاً غَفُوراً).
- (ذَلِكَ وَمَنْ عَاقَبَ بِمِثْلِ مَا عُوقِبَ بِهِ ثُمَّ بُغِيَ عَلَيْهِ لَيَنصُرَنَّهُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ).
- (وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَراً مِنْ الْقَوْلِ وَزُوراً وَإِنَّ اللَّهَ لَعَفُوٌّ غَفُورٌ) , وقد استنبط من ذلك ابن القيم رحمه الله أن الظهار شيء محرم , لأن الله عقبه بتعقيبات منها هذا التعقيب , أي أن العفو والغفر يكون عن الذنب.
- (إِنْ تُبْدُوا خَيْراً أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُوا عَنْ سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً)
· وجه الارتباط بين العفو والقدير:
ذلك أن عفو الله عزوجل ليس من عجز وضعف وخوف من المخلوق , وإنما الله تبارك وتعالى له تمام القدرة أن يأخذ العبد بجنايته , وأن يعاقبه بما يشاء ويهتك ستره , إلا أن الله يمحو أثر الذنب بالكلية مع قدرته ولهذا قال: (كَانَ عَفُوّاً قَدِيراً) , فهو عفو مع قدرته , وهذا هو غابة الكمال , لأن العفو من غير قدرة لا يكون كمالا , إنما يكون عجزا , ولا يمدح فيه الإنسان إطلاقا , وإنما العفو مع القدرة هو الكمال الذي يزداد العبد به عزا , أما حينما يكون العبد عاجزا عن الانتقام والاقتصاص من ظلمه ثم يقول عفوت عنك , فهذا لا يرتفع به العبد ولا يمدح به , وإنما يدل على ضعفه وعجزه وخوَره , كما قال الشاعر:
يهجو قبيلته قُبيلة لا يقدرون بذمة ** ولا يظلمون الناس حبة خردل
فهو في ظاهره كأنه يمدحهم , والواقع أنه يذمهم بالعجز , لأن العزة عندهم في جاهليتهم , أن من لم يظلم ظلم , وأن لم يعتدي اعتدي عليه , ومن لم يذد عن حوضه بسلاحه يهّدم , ومن لا يظلم الناس يُظلم.
· إذا عرف المسلم أن ربه تبارك وتعالى من أسمائه الغفور والغفار والغافر والعفو فينبغي:
¥