وأيضا مما يدل على ذلك ما رواه أبو هريرة في الحديث الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (والذي نفسي بيده لو لم تذنبوا لذهب الله بكم , وجاء بقوم يذنبون فيستغفرون الله تعالى فيغفر لهم) وذلك تحقيقا لمقتضى هذه الصفة وهي المغفرة , وأيضا ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي أيوب الأنصاري انه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (لولا أنكم تذنبون لخلق الله خلقا يذنبون فيستغفرون فيغفر لهم) , ومما يدل على ذلك أيضا حديث ابن عمر مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يدنى المؤمن يوم القيامة من ربه حتى يضع كنفه عليه فيقرره بذنوبه فيقول أتعرف ذنب كذا؟ أتعرف ذنب كذا؟ فيقول ربي أعرف , قال: فإني قد سترتها عليك في الدنيا وأنا أغفرها لك اليوم , فيعطى صحيفة حسناته) أخرجه البخاري ومسلم , وكذلك حديث أنس بن مالك مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم أن الله تعالى قال: (يا ابن آدم إنك ما دعوتني ورجوتني غفرت لك على ما كان منك ولا أبالي , يا ابن آدم لو بلغت ذنوبك عنان السماء ثم استغفرتني غفرت لك , يا ابن آدم إنك لو أتيتني بقراب الأرض خطايا , ثم لقيتني لا تشرك بي شيئا لأتيتك بقرابها مغفرة) أخرجه الترمذي وهو حديث صحيح.
- أن يعلم أن التوبة أمر لا بد منه , وأنه تبارك وتعالى أخبرنا عن مغفرته وعفوه للأوابين كما قال: (إِنْ تَكُونُوا صَالِحِينَ فَإِنَّهُ كَانَ لِلأَوَّابِينَ غَفُوراً) , وهم الذين يكثرون التوبة والرجوع إلى الله تبارك وتعالى بعد الزلة , ويقول جل وعلا: (إِلاَّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ) , ويقول جل وعلا: (إِلاَّ الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَاعْتَصَمُوا بِاللَّهِ وَأَخْلَصُوا دِينَهُمْ لِلَّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْراً عَظِيماً).
- كما أن العبد لا ييأس من رحمة الله عزوجل ومغفرته كما قال: (إِنَّهُ لا يَيْئَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الكَافِرُونَ) , فكذلك هو أيضا لا يأمن من مكر الله عزوجل كما قال: (فَلا يَأْمَنُ مَكْرَ اللَّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْخَاسِرُونَ) , وقد أخبرنا الله عزوجل في مواضع من كتابه جمع فيها بين العذاب وبين المغفرة الواسعة كما قال: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ) , وقال: (إِنَّ رَبَّكَ لَسَرِيعُ الْعِقَابِ وَإِنَّهُ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ) , وقال: (إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ) , وقال: (فَأَمَّا مَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ وَأَمَّا مَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُمُّهُ هَاوِيَةٌ) , فالآيات التي تجمع بين الخوف والرجاء كثيرة في كتاب الله عزوجل , ومما يدل على هذا المعنى من سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أخرجه الإمام مسلم في صحيحه من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو يعلم المؤمن ما عند الله من العقوبة ما طمع بجنته أحد , ولو يعلم الكافر ما عند الله من الرحمة ما قنط من جنته) , وأخرج البخاري من حديث عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (الجنة أقرب إلى أحدكم من شراك نعله , والنار مثل ذلك) , فالجنة قريبة المنال والنار أيضا قريبة المنال نسأل الله لنا ولكم منها العافية , فينبغي للعبد أن يشمر في طاعة الله , وإذا حصلت له الزلة يستشعر سعة مغفرته تبارك وتعالى , فينيب إليه ولا ييأس من رحمته ولا يقنط , وإنما يبادر إلى التوبة الصادقة النصوح , ولا تحمله هذه النصوص الدالة على سعة عفو الله ومغفرته على الأمن من مكر الله جل جلاله.
- ومما تؤثره هذه الأسماء أيضا أن تعلم أن الله تبارك وتعالى متفضل على عباده بهذا العفو وبهذه المغفرة , لأن الله عزوجل غني عن العبادة كل الغنى , فهو ليس بمفتقر إليهم بأي لون من ألوان الافتقار , كما أنه ليس بعاجز عن مؤاخذتهم ومعاقبتهم , فإنما هو يعفو عنهم ويغفر لهم فضلا منه تبارك وتعالى وإحسانا , ولهذا جمع الله بين العزيز وبين الغفور.
¥