فإن قيل: فالمجامع في رمضان يؤمر بالكفارة والفطر في رمضان من الكبائر قيل ليست الكفارة للفطر ولهذا لا يجب عند الأكثرين على كل مفطر في رمضان عمدا وإنما هي لهتك حرمة رمضان بالجماع ولهذا لو كان مفطرا فطرا لا يجوز له نهار رمضان ثم جامع للزمته الكفارة عند الإمام أحمد لما ذكرنا.
ب - أنه لو كفرت الكبائر بفعل الفرائض لم يبق لأحد ذنب يدخل به النار إذا أتى بالفرائض وهذا يشبه قول المرجئة وهو باطل كذا قال ابن عبد البر وابن رجب رحمهما الله.
واستدل أصحاب القول الثاني في كون التكفير يشمل الكبائر والصغائر بما يلي:
1 / استدلوا بظاهر قوله تعالى: {إن تجتنبوا كبائر ما تنهون عنه نكفر عنكم سيئاتكم وندخلكم مدخلا كريما}.
قالوا: السيئات تشمل الكبائر والصغائر وكما أن الصغائر تكفر باجتناب الكبائر من غير قصد ولا نية فكذلك الكبائر.
واجيب عنه:بأن المراد بالسيئات الصغائر وحمل السيئات على الصغائر هنا متعين لذكر الكبائر قبلها وجعل اجتنابها شرطا لتكفير السيئات.
2 / وقد يستدل لذلك بأن الله وعد المؤمنين والمتقين بالمغفرة وتكفير السيئات وهذا مذكور في غير موضع من القرآن كقوله تعالى: {إن تتقوا الله يجعل لكم فرقانا ويكفر عنكم سيئاتكم ويغفر لكم} وقوله تعالى: {ومن يؤمن بالله ويعمل صالحا يكفر عنه سيئاته ويدخله جنات تجري من تحتها الأنهار} وقوله: {ومن يتق الله يكفر عنه سيئاته ويعظم له أجرا} وقد صار هذا من المتقين فإنه فعل الفرائض واجتنب الكبائر واجتناب الكبائر لا يحتاج إلى نية وقصد.
واجيب عنه: بإنه لم يبين في هذه الآيات خصال التقوى ولا العمل الصالح ومن جملة ذلك التوبة النصوح فمن لم يتب فهو ظالم غير متق وقد بين في سورة آل عمران خصال التقوى التي يغفر لأهلها ويدخلهم الجنة فذكر منها الاستغفار وعدم الإصرار فلم يضمن تكفير السيئات ومغفرة الذنوب إلا لمن كانت هذه الصفة له.
3 / عن أنس بن مالك 1 - رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ - قال كنت عند النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: فجاءه رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقمه علي قال ولم يسأله عنه قال: وحضرت الصلاة فصلى مع النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فلما قضى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - الصلاة قام إليه رجل فقال يا رسول الله إني أصبت حدا فأقم فيَّ كتاب الله قال: " أليس قد صليت معنا؟ " قال: نعم، قال: " فإن الله قد غفر لك ذنبك أو قال حدك " أخرجاه في الصحيحين.
وجه الاستدلال: أن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - أخبر الرجل أن الصلاة كفرت ذنبه وهو الحد والحد كبيرة وقد جاء في بعض الروايات " ن رجلا أتى النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - فقال يا رسول الله: اني زنيت فأقم علي الحد .. الحديث.
وأجيب عن هذا بأجوبة:
الأول: لأن حدود الله محارمه كما قال تعالى: {تلك حدود الله ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه} وقوله: {تلك حدود الله فلا تعتدوها} وقوله: {تلك حدود الله ومن يطع الله ورسوله يدخله جنات} إلى قوله: {ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله نارا خالدا فيها وله عذاب مهين} وفي حديث العرباض بن سارية عن النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في ضرب مثل الإسلام بالصراط المستقيم على جنبيه سوران قال: " السوران حدود الله " فكل من أصاب شيئا من محارم الله فقد أصاب حدوده وركبها وتعدى بها.
الثاني: وعلى تقدير أن يكون الحد الذي أصابه كبيرة فهذا الرجل جاء نادما تائبا وأسلم نفسه إلى إقامة الحد عليه والندم توبة والتوبة تكفر الكبائر بغير تردد.
الثالث: أن رواية: " إني زنيت " ويحتمل أن يكون الراوي عبر بالزنا من قوله أصبت حدا فرواه بالمعنى الذي ظنه.
الرابع: ان الأصل ما في الصحيح فهو الذي اتفق عليه الحفاظ.
الخامس: يحتمل أن يختص ذلك بالمذكور لاخبار النبي صلى الله عليه وسلم أن الله قد كفر عنه حده بصلاته فان ذلك لا يعرف إلا بطريق الوحي فلا يستمر الحكم في غيره الا في من علم أنه مثله في ذلك وقد انقطع علم ذلك بانقطاع الوحي بعد النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -.
ينظر في الأجوبة: جامع العلوم والحكم في الموضع السابق، و فتح الباري (12/ 134)
¥