"أن أُمَّ حَبِيبَةَ وَأُمَّ سَلَمَةَ ذَكَرَتَا كَنِيسَةً رَأَيْنَهَا بِالْحَبَشَةِ - فِيهَا تَصَاوِيرُ - لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّ أُولَئِكِ إِذَا كَانَ فِيهِمُ الرَّجُلُ الصَّالِحُ فَمَاتَ بَنَوْا عَلَى قَبْرِهِ مَسْجِدًا وَصَوَّرُوا فِيهِ تِلْكِ الصُّوَرَ أُولَئِكِ شِرَارُ الْخَلْقِ عِنْدَ اللهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
فهذا فيه النهي عن اتخاذ القبور مساجد، ومن فعل ذلك، بأن اتخذ القبور مساجد، فهو من شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
والمسجد؛ هو مكان السجود لله سبحانه وتعالى، وهو اختصاصٌ من الصلاة لعظمة السجود، كأن نقول: فلان قام يصلي سجدتين، أي ركعتين.
كما في حديث ابن عمر: "صَلَّيْتُ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الظُّهْرِ سَجْدَتَيْنِ وَبَعْدَهَا سَجْدَتَيْنِ , وَبَعْدَ الْمَغْرِبِ سَجْدَتَيْنِ , وَبَعْدَ الْعِشَاءِ سَجْدَتَيْنِ ... " الحديث.
أخرجه بهذا اللفظ: أحمد 2/ 17، ومسلم 2/ 162، والنسائي، في الكبرى (377).
فمن قام للصلاة في هذا المكان فهو من شرار الخلق عند الله يوم القيامة.
2ـ في حديث عَائِشَةَ، وَابْنَ عَبَّاسٍ، رضي الله عنهما، قَالاَ:
لَمَّا نُزِلَ بِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم طَفِقَ يَطْرَحُ خَمِيصَةً لَهُ عَلَى وَجْهِهِ، فَإِذَا اغْتَمَّ بِهَا كَشَفَهَا عَنْ وَجْهِهِ، فَقَالَ وَهْوَ كَذَلِكَ لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ. يُحَذِّرُ مَا صَنَعُوا.
ففيه أن لعنة الله وقعت على من اتخذ القبر مسجدًا، أي للصلاة فيه، من الذين فعلوا ذلك من بني إسرائيل.
وحذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الوقوع في ذلك، حتى لا ينزل علينا من اللعنة ما نزل عليهم.
والله تعالى في تعامله مع البشر، لا يتعامل مع أسماء وصفات، ولكن مع الصلاح والفساد.
قال تعالى: "لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ مَن يَعْمَلْ سُوءًا يُجْزَ بِهِ وَلاَ يَجِدْ لَهُ مِن دُونِ اللهِ وَلِيًّا وَلاَ نَصِيرًا. وَمَن يَعْمَلْ مِنَ الصَّالِحَاتَ مِن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَلاَ يُظْلَمُونَ نَقِيرًا".
و "مَن" هنا نَكِرة، تشمل جميع خلق الله.
فإذا قام أحد من خلق الله بالسجود في أماكن قبور الصالحين والأنبياء، استحق لعنة الله التي نزلت على اليهود والنصارى لمَّا فعلوا ذلك، وحذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من هذا الفعل، حتى لا يُدركنا هذا الجزاء الحق.
وعلى المسلم أن يتفكر في قول النبي صلى الله عليه وسلم:
لَعْنَةُ اللهِ عَلَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
وكذلك في حديث أبي هريرة؛ أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:
"قَاتَلَ اللَّهُ الْيَهُودَ اتَّخَذُوا قُبُورَ أَنْبِيَائِهِمْ مَسَاجِدَ.
اقرأ كلمة: "اتَّخَذُوا".
أي أنهم قاموا بالسجود، أي بالصلاة، في هذه الأماكن.
اقرأ حديث عتبان بن مالك، قال:
عِتْبَانَ بْنَ مَالِكٍ يَقُولُ:
"كُنْتُ أُصَلِّي بِقَوْمِي بَنِي سَالِمٍ , فَأَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقُلْتُ: إِنِّي قَدْ أَنْكَرْتُ بَصَرِي. وَإِنَّ السُّيُولَ تَحُولُ بَيْنِي وَبَيْنَ مَسْجِدِ قَوْمِي. فَلَوَدِدْتُ أَنَّكَ جِئْتَ فَصَلَّيْتَ فِي بَيْتِي مَكَانًا أَتَّخِذُهُ مَسْجِدًا. قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: سَأَفْعَلُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ... " الحديث.
إنه يريد من النبي صلى الله عليه وسلم أن يتخذ مكانًا في بيته مسجدًا.
فهل كان عتبان يقصد القيام ببناء مسجد فوق بيته، أو على بيته؟!!
إنه يريد مكانًا يسجد فيه لمن لا سجود إلاَّ له، عز وجل.
فمن اتخذ القبر مكانًا للسجود، فعليه ماعلى اليهود والنصارى.
لأنه، وبعد قدم العهد أكثر من هذا سيأتي مَن يقول: الذنب على من بنى المسجد فوق القبر، أو أدخله فيه، وليس على من سجد فيه؟!!
لا، بل اللعنة المذكورة هي على من اتخذه مكانًا للصلاة.
لقد نهانا النبي صلى الله عليه وسلم، وسمعنا له وأطعنا، وأرض الله واسعة، وجُعلت ليَ الأرض مسجدًا.
اللهم إنا نعوذ بك من نقمتك، ولعنتك، وغضبك.
ـ[صالح بن علي]ــــــــ[08 - 05 - 07, 11:06 م]ـ
هناك شبهة صوفية ليست بالسهلة فإذا سمح المشرفون أن أضعها وضعتها
ـ[أبو إبراهيم الجنوبي]ــــــــ[09 - 05 - 07, 12:41 ص]ـ
كل الأحاديث المسوقة هنا صريحة في النهي عن بناء المساجد على القبور أو إدخال القبور في المساجد، ولا ينبغي أن يختلف في تحريم ذلك، لكن الكلام في بطلان من يصلي في تلك المساجد، والشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- فرق بفقهه الدقيق بين إدخال القبر في المسجد وبين بناء المسجد على القبر وبين أن يكون القبر في جهة القبلة أو في جهة أخرى، لأن النهي ورد صريحا في اتخاذ القبر مسجدا،وفي الصلاة إلى القبور، فكأنه رحمه نظر إلى أن النهي قد توجه إلى هذا والنهي يقتضي الفساد ففرق بينهما والله أعلم.
ويبقى أن ننظر في قاعدة (لا تلازم بين الصحة والقبول) فنقول حتى على فرض صحة الصلاة لتوفر الشروط واستكمال الأركان فهي غير مقبولة لهذا النهي الصريح.
¥