وقال أيضاً: (وخبر الواحد المتلقى بالقبول يوجب العلم عند جمهور العلماء من أصحاب أبى حنيفة ومالك والشافعى وأحمد وهو قول أكثر أصحاب الأشعرى كالأسفرائينى وإبن فورك فإنه وإن كان فى نفسه لا يفيد إلا الظن لكن لما إقترن به جماع أهل العلم بالحديث على تلقيه بالتصديق كان بمنزلة إجماع أهل العلم بالفقه على حكم مستندين فى ذلك إلى ظاهر أو قياس أو خبر واحد فإن ذلك الحكم يصير قطعيا عند الجمهور وأن كان بدون الإجماع ليس بقطعى لأن الإجماع معصوم فأهل العلم بالأحكام الشرعية لا يجمعون على تحليل حرام ولا تحريم حلال كذلك أهل العلم بالحديث لا يجمعون على التصديق بكذب ولا التكذيب بصدق وتارة يكون علم أحدهم لقرائن تحتف بالأخبار لهم العلم ومن علم ما علموه حصل له من العلم ما حصل لهم) مجموع الفتاوى (18/ 41)
وقال أيضا: (وأما مخالفة هؤلاء لنصوص الكتاب والسنة وما استفاض عن سلف الأمة فهذا أظهر وأشهر من أن يخفى على عالم ولهذا أسسوا دينهم على أن باب التوحيد والصفات لا يتبع فيه ما دل عليه الكتاب والسنة والإجماع وإنما يتبع فيه ما رأوه بقياس عقولهم وأما نصوص الكتاب والسنة فإما أن يتأولوها وإما أن نفوضوها وإما أن يقولوا مقصود الرسول أن يخيل إلى الجمهور اعتقادا ينتفعون به في الدنيا وإن كان كذبا وباطلا كما يقول ذلك من يقوله من المتفلسفة وأتباعهم وحقيقة قولهم أن الرسل كذبت فيما أخبرت به عن الله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر لأجل ما رآوه من مصلحة الجمهور في الدنيا) منهاج السنة النبوية (2/ 109)
ثانياً: نماذج لمسائل العقيدة الغيبية التي أجمع عليها:
1 - قال ابن تيمية: (وكذلك التمثيل منفى بالنص والإجماع القديم مع دلالة العقل على نفيه ونفى التكييف إذ كنه البارى غير معلوم للبشر) مجموع الفتاوى (3/ 196)
2 - وقال: (ثبت عن محمد بن الحسن صاحب أبي حنيفة أنه قال اتفق الفقهاء كلهم من الشرق والغرب على الإيمان بالقرآن والأحاديث التي جاء بها الثقات عن رسول الله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ - في صفة الرب عز وجل من غير تفسير ولا صف ولا تشبيه فمن فسر شيئا من ذلك فقد خرج مما كان عليه النبي وفارق الجماعة فإنهم لم يصفوا ولم يفسروا ولكن آمنوا بما في الكتاب والسنة ثم سكتوا فمن قال بقول جهم فقد فارق الجماعة انتهى
فانظر رحمك الله إلى هذا الإمام كيف حكى الإجماع في هذه المسألة ولا خير فيما خرج عن إجماعهم) مجموع الفتاوى (4/ 5)
3 - وقال: (كما أن أسماءه و صفاته متنوعة فهي أيضا متفاضلة كما دل على ذلك الكتاب و السنة و الإجماع مع العقل) مجموع الفتاوى (17/ 212)
4 - وقال: (معلوم أن الإجماع على تنزيه الله تعالى عن صفات النقص متناول لتنزيهه عن كل نقص من صفاته الفعلية وغير الفعلية) درء تعارض العقل والنقل (2/ 226)
وينظر الإجماعات التي ذكرها أبو الحسن الأشعري في رسالته إلى أهل الثغر (ص 209 - 312) فقد ذكر (51) إجماعاً في أبواب العقيدة ومنها (فيما يخص الغيبيات) قوله:
1 - (وأجمعوا على أنه عز وجل يجيء يوم القيامة والملك صفا صفا لعرض الأمم وحسابها وعقابها وثوابها فيغفر لمن يشاء من المذنبين ويعذب منهم من يشاء .. ) ص (227)
2 - ( ........ وأنه عز وجل ينزل إلى السماء الدنيا .. ) ص 229) ونقل الإجماع على النزول ايضا أبو عبد الله محمد بن خفيف نقله عنه ابن تيمية في الحموية (ص 46)
3 - (أجمعوا على أن المؤمنين يرون الله عز وجل يوم القيامة بأعين وجوههم على ما أخبر به تعالى في قوله تعالى وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ... ) (ص 237) وقال ابن ابي شامة في ضوء الساري: (أطبق أهل السنة على أن الله تعالى يرى بالأبصار في الدار الاخرة) وقال البغدادي: (أجمع أهل السنة على أن الله تعالى يكون مرئيا للمؤمنين في الآخرة) الفرق بين الفرق (ص 335) وقال ابن القيم: (اتفق عليها الأنبياء والمرسلون وجميع الصحابة والتابعون وأئمة الإسلام على تتابع القرون) حتدي الأرواح (ص 196)
4 - (وأجمعوا على أن عذاب القبر حق وأن الناس يفتنون في قبورهم بعد أن يحييون فيها ... ) (ص 279) وقال ابن القيم في إثبات عذاب القبر: (وهذا كما أنه مقتضى السنة الصحيحة فهو متفق عليه بين أهل السنة) الروح (ص 57)
5 - ( .. وعلى أنه ينفخ في الصور قبل يوم القيامة ويصعق من في السموات ومن في الأرض إلا من شاء الله ثم ينفخ فيه أخرى فإذا هم قيام ينظرون ... ) (ص 281)
6 - (وعلى أن الله تعالى يعيدهم كما بدأهم حفاة عراة عزلا ... ) (ص 281) وقال ابن حزم: (اتفق جميع أهل القبلة على تنابذ فرقهم على القول بالبعث في القيامة .. ) الفصل (4/ 79)
7 - ( .... وأن الله تعالى ينصب الموازين لوزن أعمال العباد فمن ثقلت موازينه أفلح ومن خفت موازينه خاب وخسر وأن كفة السيئات تهوي إلى جهنم وأن كفة الحسنات تهوي عند زيادتها إلى الجنة) (ص 283) وقد نقل الإجماع على إثبات الميزان الزجاج كما في فتح الباري (13/ 538) والسفاريني في لوامع الأنوار (2/ 184)
والأمثلة في حصول الإجماع في مسائل العقيدة الغيبية كثيرة لعل فيما ذكرته كفاية والله أعلم
¥