والمراد بقول اللسان - الذي يكون إيمانًا في الباطن والحقيقة - هو الملازم لاعتقاد القلب، وتصديقه، وإلا فالقول المجرد عن اعتقاد الإيمان ليس إيماناً باتفاق المسلمين، بل هو عين النفاق، والعياذ بالله.
و (عمل القلب): وهو نيته، وإخلاصه، وإذعانه، وخضوعه، وإنقياده، وتوكله، ورجاؤه، وخشيته، وتعظيمه، وحبه، وغيرها من أعمال القلب.
فهو شيء زائد عن مجرد التصديق والعلم واليقين، الذي هو قول القلب.
ومثال ذلك: فرعون وهامان وقارون.
فنحن نعلم ونقر بوجودهم، ولكننا نكرههم ونبغضهم، فالإقرار بوجودهم شيء، ومحبتهم وتوليهم شيء آخر.
فالفرق بين قول القلب وعمل القلب يتمثل في أن قول القلب من التصديق والعلم واليقين شيء، وعمل القلب من محبة وإخلاص وانقياد وغيرها شيء آخر.
قال - عز وجل -: {فَلاَ وَرَبِّكَ لاَ يُؤْمِنُونَ حَتَّىَ يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لاَ يَجِدُواْ فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجًا مِّمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُواْ تَسْلِيمًا} (النساء:65).
وإذا زال عمل القلب مع اعتقاد الصدق، فأهل السنة مجمعون على زوال الإيمان، وأنه لا ينفع التصديق مع انتفاء عمل القلب.
و (عمل اللسان): هو ما لا يؤدى إلا به: كتلاوة القرآن، والدعاء، والدعوة إلى الله، وسائر الأذكار؛ وغير ذلك من الأعمال التي تؤدى باللسان.
قال - عز وجل -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا} (الأحزاب: 41).
و (عمل الجوارح): هو أفعال سائر الجوارح من فعل للمأمورات والواجبات، مثل (الصلاة، والصيام، والقيام، والركوع، والسجود، والصدقات، والحج، والجهاد، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر، وغير ذلك من شعب الإيمان ... )،
ومن ترك واجتناب للمنهيات والمحرمات، مثل (القتل، والسرقة، والزنا، والربا، والغلول، والكذب، والغش، والغيبة، والنميمة، والرياء، والحقد، والغل، والحسد ... ).
قال - عز وجل -: {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمَانَكُمْ} (البقرة:143) أي: صلاتكم.
وقال - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم َ -: الْإِيمَانُ بِضْعٌ وَسَبْعُونَ أَوْ بِضْعٌ وَسِتُّونَ شُعْبَة، فَأَفْضَلُهَا قَوْلُ لَا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَدْنَاهَا إِمَاطَةُ الْأَذَى عَنْ الطَّرِيقِ، وَالْحَيَاءُ شُعْبَةٌ مِنْ الْإِيمَانِ. (د).
قال الإمام الحافظ البغوي: (واتفقت الصحابة والتابعون فمن بعدهم من علماء السنة على أن الأعمال من الإيمان لقوله - تعالى -: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَإِذَا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آيَاتُهُ زَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُون * الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُون، فجعل الأعمال كلها إيمانا، وكما نطق به حديث أبي هريرة - يعني حديث الشعب -) ا. هـ.
وأعمال الجوارح تابعة لأعمال القلوب، ولازمة لها؛ فعدم الأعمال الظاهرة ينفي الإيمان الباطن، ولهذا ينفي الله الإيمان عمن انتفت عنه لوازمه، فإن انتفاء اللازم يقتضي انتفاء الملزوم، كقوله - عز وجل -: {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِالله والنَّبِيِّ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاء وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِّنْهُمْ فَاسِقُون} (المائدة:81).
فالظاهر والباطن متلازمان، ولا يكون الظاهر مستقيماً إلا مع استقامة الباطن، وإذا استقام الباطن، فلابد أن يستقيم الظاهر.
ومن ثم؛ فإنه يمتنع أن يكون الشخص مؤمناً بالله، مقراً بالفرائض، ومع ذلك فهو تارك لتلك الطاعات، ممتنع عن فعلها.
قال الإمام الأوزاعي: (لا يستقيم الإيمان إلا بالقول، ولا يستقيم الإيمان والقول إلا بالعمل، ولا يستقيم الإيمان والقول والعمل إلا بنية موافقة للسنة، فكان من مضى ممن سلف لا يفرقون بين الإيمان والعمل، العمل من الإيمان، والإيمان من العمل، وإنما الإيمان اسم جامع كما جمع هذه الأديان اسمها، وتصديقه العمل، فمن آمن بلسانه وعرف بقلبه وصدق ذلك بعمله، فذلك العروة الوثقى التي لا انفصام لها، ومن قال بلسانه ولم يعرف بقلبه ولم يصدق بعمله لم يقبل منه، وكان في الآخرة من الخاسرين). (هـ)
¥