تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

بإمام للمسلمين يؤم الخلق ويهديهم إلى صراط مستقيم ويدلهم على استقاء العقيدة من الوحي الذي (لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد) (5) والالتزام بالكتاب والسنة هو ما يدعو إلى التزامه من جميع طبقات المجتمع فهو يسير مع الدليل فيجهر بما أداه إليه اجتهاده وهكذا يكون المجتهد فإنه يصل إلى حكم ما بعد دراسته للكتاب والسنة وآثار السلف الصالح ثم يؤديه اجتهاده إلى حكم بعينه سواء وافق فيه إماماً أو خالفه فالذي جمع هذا وذاك هو الدليل كما قرره بنفسه حيث يقول: " وكان يرد علي من مصر وغيرها من يسألني عن مسائل في الاعتقاد وغيره فأجيبه بالكتاب والسنة وما كان عليه سلف الأمة" (1)، وقد أكد هو نفسه مدى اتباعه ونبذه للتقليد فقال: "كل قائل إنما يحتج لقوله لا به إلا الله ورسوله" (2) ذلك أن أتباع المذاهب كانوا يرون الدين بمنظارهم هم وبمفهومهم هم: لا يرون صواباً إلا في اتباع إمامهم فمن الله تعالى على الأمة الإسلامية بذلك الإمام العظيم وهذا وصف لزمن التقليد وانتشار الأهواء "فكان إصلاح هذا الوضع يحتاج إلى محدث فقيه وأصولي ضليع يكون قد استعرض ذخائر المكتبة الإسلامية بأسرها ويستحضر الكتاب والسنة بحيث يحير الناس كما يعرف الحديث بأنواعه وطبقاته معرفة دقيقة تضطر الناس إلى الاعتراف بمكانته في صناعة الحديث كما يكون له اطلاع تام على المذاهب الفقهية الأخرى وفروعها ويكون ذا قدم راسخة في علوم اللغة وباع طويل فيها حتى يؤهله للنقد والصيرفة في مجالها" (3)، وهكذا فإن هذه المقومات في هذا الإمام "جعلته يجدد أمر هذا الدين ذلك لأن غيره كان يفهم الأمور بعقل غيره أو مأخوذاً بذلك العقل أما ذلك المجدد العظيم فقد كان ينظر إلى الدين غير متأثر بتفكير أحدٍ إلا بالكتاب والسنة وآثار الصحابة وبعض التابعين وبذلك جدد أمر الإسلام بأن أزال ما علق به من غبار القرون ورده إلى أصله الأول جديداً قشيباً" (4)، وفعله هذا يتكرر مع كل إمام مجتهد مجدد لهذا الدين هِجِّيراه، وديدنه اتباع الدليل.

المطلب السابع: فصاحته وقدرته البيانية:

توارث آل تيمية الخطابة وحسن البيان مما جعل الفصاحة ملتصقة بهم التصاق الاسم بالمسمى ومن أشهر من عرف عنهم الفصاحة وحسن البيان جد الإمام ابن تيمية الإمام مجد الدين عبد السلام بن تيمية ثم والده الإمام شهاب الدين أبو المحاسن عبد الحليم بن عبد السلام ثم ورثها عن آل تيمية الإمام تقي الدين أحمد بن تيمية وعلى هذا أجمع من ترجم لهذا الإمام أنه عرف بأنه كان "خطيباً مصقعاً تهتز له أعواد المنابر وجمع له الله سبحانه وتعالى بين فصاحة اللسان وفصاحة القلم فكان مع قدرته الخطابية كاتباً تجري الحقائق على شفاه بنانه كما تجري الألفاظ الجلية البينة على لسانه بما يعجز غيره عن كتابة مثله بالتروية والإمعان أياماً" (1)، وهذا يدل على أنه "فصيح اللسان قلمه ولسانه متقاربان" (2)، ومن كانت هذه صفته البيانية مضافاً إليها سعة علمية نقلية وعقلية جعلته "يتأهل للفتوى وهو دون العشرين سنة والقيام بوظائف والده بعده حيث درس بدار الحديث ثم جلوسه مكان والده أيضاً بالجامع على منبر أيام الجمع لتفسير القرآن العظيم" (3)، وكان ذلك "من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكذا كان الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح" (4) بأسلوب شائق رغم حضور كبار القضاة والعلماء تلك الدروس حتى عرف بأسلوبه الرشيق ذي الفوائد المتعددة "وذلك كله مع عدم فكر فيه أو روية و من غير تعجرف ولا توقف ولا لحن بل فيض إلهي حتى يبهر كل سامع وناظر فلا يزال كذلك إلى أن يصمت" (5) فإذا تكلم في مسألة صار كالبحر المتلاطم حيث تتبع المعلومات غيرها ويأتي عليها من كل نواحيها "حتى إن من أدمن النظر في كتبه يعرف كلامه ولو لم ينسب إليه فلجزالته وفخامته وقوته وإشراقه تميز عن كلام غيره من العلماء فليس فيه ضعف وليس فيه هشاشة وليس فيه تصنع وليس فيه تنطع ولا تكلف بل تجد النصوع والقوة والتدفق والجلالة" (6)، ويرجع العلماء حدوث هذه الفصاحة والقدرة البيانية الفائقة إلى أمور (7) منها: كثرة ترديده وقراءته وحفظه للسنة النبوية بعد حفظ كتاب الله سبحانه فإن ذلك أمده بطائفة كبيرة من الألفاظ الجيدة المنتقاة وكذلك صلاحه واتباعه للدليل فأثر ذلك في كلامه حتى صارت عباراته أخَّاذة يفيد منها الخطيب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير