تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والواعظ والمؤلف والمصنف فوق أن كثرة المعارك البيانية أرهفت قواه وعودته القول الارتجالي به والانتصار بالحجة من غير تحضير وتهيئة فإنه حفظ كل شيء قبل أن يتكلم أو يجادل أو يناظر.

ومما يلمع ذلك ويؤكده انتشار أقواله وحفظ العلماء لها وكثرة تآليفه في شتى العلوم وعندما يناظر مبطلاً فإنه يقارعه ويرد عليه من نفس أدلته ويجعله ينقطع ويرن إرنان الثاكلة، وقد "نقل عنه أهل السير أنه كان يحضر مجالس المناظرة وتعقد له مناظرة مع خصومه ومخالفيه فيأتي بما يبهر الألباب ويعلو عليهم وينتصر بالحجة الدافعة والبيان الخلاب .. حتى إنه ناظر كثيراً من الطوائف في حضور السلطان وعلى مرأىً من الخاصة والعامة فكان الحق معه وكان الله يؤيده؛ لأنه يريد الحق وحده وقد ذكر كثير من أهل التاريخ أن علماء الطوائف اجتمعوا له وهم في صف وهو وحده في صف وكان لا يكل ولا يمل من المناظرة بل كان يستدرج من يناظره ويحاوره حتى يوقعه ويصرعه كل ذلك ومقصوده أن تكون كلمة الله هي العليا وأن يكون الدين كله لله وأن يكون الحق هو المنتصر في الأخير" (1)، وهذه القوة البيانية والتعبيرات البلاغية في المناظرة لم تظهر عليه في الكبر بل ظهرت عليه منذ صغره حكى ذلك تلميذه الإمام الذهبي بقوله: "وكان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحيرون" (2).

المطلب الثامن: شجاعته وجرأته في الحق:

إن شجاعة الإمام ابن تيمية قد عرفها كل من أهل الشام وأهل مصر وانتشرت حتى عرفها الصغير والكبير لما كان له من مشاركات عديدة ومواقف في صد الطغاة والمعتدين من التتار والنصارى ومن قطاع الطرق، وهذه المواقف تنبئ عن جرأة في الحق منبثقة من شجاعته التي كانت على أرفع المستويات؛ ذلك أنه كان يرى أن ثمة وشيجة تربط ما بين الشجاعة والاعتقاد حيث إن كلاً منهما محله القلب؛ ولهذا يقول: "ولهذا كان قوام الناس بأهل الكتاب وأهل الحديد كما قال من قال من السلف: صنفان إن صلحوا صلح الناس: الأمراء والعلماء ... ولهذا كانت السنة أن الذي يصلي بالناس صاحب الكتاب والذي يقوم بالجهاد صاحب الحديد" (3)، وقد سجل له التاريخ مواقف ومآثر ازدان بها عرفها المخالف له قبل الموافق ولمعت هذه الشجاعة وهو لا يزال في ريعان شبابه ثم استمرت معه في مراحل عمره إلى أن فاضت روحه إلى بارئها وهذه الشجاعة قد تنوعت وكانت جرأته تارة بالسنان حين مجاهدة الأعداء ومقارعتهم وتارة بالكتابة واللسان فيصدع بما يراه ويعتقده ويجهر به ولا يعبأ بمخالفته لأحد من الناس. أما شجاعته بالسنان ومقارعة الأعداء فكثيرة شهيرة منها ما تجلت حينما أغارت التتار وفر علماء عصره خارج دمشق متجهين إلى مصر وغيرها لأن الناس ما عرفوا العلماء في عصره إلا "عاكفين على القراءة قد أنحلتهم المقاعد، تراخت عليها عضلاتهم ومفاصلهم يرون قوة العالم كلها في فكره ورأسه .. لذلك لما بلغهم أن التتار قد أغارت عليهم بركبها ورجلها وقضها وقضيضها فروا هاربين إلى مصر مع من فروا أما ابن تيمية فقد كان في هذا طرازاً وحده، رأى أن العلم والجندية ليسا متباينين ولا متضاربين فالعالم جندي عندما تحشد الشديدة وسياسي عندما تدبر المكيدة ... فعندما أغار التتار لبث ابن تيمية في المدينة يرتب أمورها ويسوسها بعد أن فر ساستها ومديروها" (1)، وهكذا العلماء الربانيون يكونون في طليعة الجيش ليواجهوا الأعداء موقنين بالفوز بإحدى الحسنيين وهذا الإمام "كان إذا ركب الخيل يتحنك ويجول في العدو كأعظم الشجعان ويقوم كأثبت الفرسان ويكبر تكبيراً أنكى في العدو من كثير من الفتك بهم ويخوض فيهم خوض رجل لا يخاف الموت .. ولما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكُرج وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم على قيامهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير