تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فانتُدب منهم رجالٌ من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان [وكان ذلك سنة 699هـ] فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؟ فقيل: هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه فتقدم الشيخ ? أولاً فلما رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه وأخذ الشيخ في الكلام معه أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين وضمن له أموالاً وأخبره بحرمة دماء المسلمين وذكره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعاً وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصين حريمهم، وذلك لما أخذ الشيخ يحدث السلطان بقول الله ورسوله في العدل وغيره ويرفع صوته على السلطان في أثناء حديثه حتى جثا على ركبتيه وجعل يقرب منه في أثناء حديثه حتى لقد قرب أن تلاصق ركبته ركبة السلطان والسلطان مع ذلك مقبل عليه بكليته مُصغ لما يقول شاخص إليه لا يعرض عنه وأن السلطان من شدة ما أوقع الله ما في قلبه من المحبة والهيبة سأل من يخصه من أهل حضرته: مَنْ هذا الشيخ؟! وقال ما معناه: إني لم أر مثله ولا أثبت قلباً منه ولا أوقع من حديثه في قلبي ولا رأيتني أعظم انقياداً مني لأحد منه فأخبر بما له وما هو عليه من العلم والعمل ثم قال الشيخ للترجمان: قل لغازان: أنت تزعم أنك مسلم ومعك قاضٍ وإمام وشيخ ومأذونون –على ما بلغنا- فغزوتنا وأبوك وجدك كانا كافرين وما عملا الذي عملت: عاهدا فوفيا وأنت عاهدت فغدرت وقلت فما وفيت وجُرت" (1) فقال كلمة الحق ولم يخف في الله لومة لائم وواجه هذا الطاغية بكل جرأة معتمداً على ربه واثقاً به بالنصر؛لأن الله ينصر من ينصر دينه وشرعة نبيه صلى الله عليه وسلم فجهر بكلمة الحق أمام ذلك السلطان حتى قال بعض من حضر اللقاء: " لما حضروا مجلس غازان قدم لهم طعام فأكلوا منه إلا ابن تيمية فقيل له: لم لم تأكل؟ فقال: كيف آكل من طعامكم وكله مما نهبتم من أغنام الناس وطبختموه بما قطعتم من أشجار الناس ثم إن غازان طلب منه الدعاء فقال في دعائه: اللهم إن كنت تعلم أنه إنما قاتل لتكون كلمة الله هي العليا وجهاداً في سبيلك فأن تؤيده وتنصره وإن كان للملك والدنيا والتكاثر فأن تفطر به وتصنع –يدعو عليه- وغازان يؤمن على دعائه ونحن نجمع ثيابنا خوفاً أن يقتل فنطرطر بدمه ثم لما خرجنا من عنده قلنا له: كدت أن تهلكنا معك ونحن ما نصحبك من هنا فقال: وأنا لا أصحبكم فانطلقنا عصبة وتأخر فتسامعت به الخواتين [حريم الملوك] والأمراء فأتوه من كل فج عميق وصاروا يتلاحقون به ليتبركوا برؤيته فما وصل إلا في نحو ثلاثمائة فارس في ركابه وأما نحن فخرج علينا جماعي فشلَّحونا" (2) فصدع بكلمة الحق ولم يخف من فتك يحدث له أو هلاك ما دام ينصر دين الله ولم يهب ذلك السلطان "حيث تجمّ الأُسد في آجامها وتسقط القلوب في دواخل أجسامها خوفاً من ذلك السبع المغتال النمروذ المختال والأجل الذي لا يدفع بحيله محتال بل جلس إليه وأومأ بيده إلى صدره وواجهه" (1) فحال هذا الإمام وسيرته تنبئ عن سريرته كما ظهر ذلك جلياً حين اقتراب جند التتار من أبواب دمشق وفر كثير من كبار البلد حكاماً وعلماء ولكن عالماً واحداً بقي مع العامة فلم يفر ولم يخرج؛ لأن له قلباً يحول بينه وبين الفرار حيث "كان يدور كل ليلة على الأسوار يحرض الناس على الصبر والقتال ويتلو عليهم آيات الجهاد والرباط" (2) ويدل على شجاعته وثبات قلبه وجرأته أنه "لما جاء السلطان إلى شَقْحَب _موضع قرب دمشق-[وكان ذلك سنة 702هـ] والخليفة لاقاهما إلى قرن الحرة وجعل يثبتهما فلما رأى السلطان كثرة التتار قال: يا خالد بن الوليد فقال ابن تيمية: قل: يا مالك يوم الدين إياك نعبد وإياك نستعين وقال للسلطان: اثبت فأنت منصور فقال له بعض الأمراء: قل إن شاء الله فقال: إن شاء الله تحقيقاً لا تعليقاً وكان يتأول في ذلك أشياء من كتاب الله منها قوله تعالى: (ذلك ومن عاقب بمثل ما عوقب به ثم بغي عليه لينصرنه الله) (3) فكان كما قال" (4)، وأمرهم بالفطر اقتداءً بالنبي صلى الله عليه وسلم عام الفتح بل إنه أفطر ومر بين الصفوف؛ ليقتدوا به وتناقل الناس أخبار شجاعته وإيثاره الموت على الحياة في سبيل الله ومما اشتهر عنه أنه "كان إذا حضر مع عسكر المسلمين في جهاد يكون بينهم واقيتهم وقطب ثباتهم وإن رأى من بعضهم هلعاً أو رقة أو جبانة

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير