تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أهل دمشق فخرج أعيان دمشق وعلى رأسهم الإمام ابن تيمية فأوقع الله في قلبه رهبة عظيمة لم تحدث لذوي السلطان مع ذلك الملك الفتاك وقد ذكر المؤرخون أن بعض مرضى القلوب قد وَشَوْا إلى السلطان الأعظم أن الإمام ابن تيمية يريد أخذ الملك لنفسه لذلك فهو يسارع في التقرب من العامة والخاصة فلما أحضره السلطان بين يديه وسأله عن ذلك فأجابه بثقة نفس مطمئنة وصوت عالٍ يسمعه كثير ممن حضر: "أنا أفعل ذلك؟! والله إن ملكك وملك المُغل لا يساوي عندي فلسين. فتبسم السلطان لذلك وأجابه في مقابلته بما أوقع الله له في قلبه من الهيبة العظيمة:

إنك والله لصادق وإن الذي وشى بك إليَّ لكاذب" (1) فكيف يخاف غير الله وهو القائل: "لن يخاف الرجل غير الله إلا لمرض في قلبه" (2) فجعل خوفه من الله عز وجل مضرب المثل للجرأة في قول الحق وحدوث الهيبة له من الخلق وما وهبه الله من سرعة البديهة جعلت له هيبة علمية خاصة جعلت خصومه يهابون مناقشته لسرعة استحضاره للأدلة "ولهذه الصفة كان خصوم ابن تيمية يتهيبون لقاءه" (3) وكان عامة الناس إن اعتدى عليهم معتدٍ لجئوا إلى الإمام ابن تيمية كي يرد إليهم حاجاتهم من هؤلاء المعتدين حيث" شكا له إنسان من قطلو بك الكبير وكان المذكور فيه جبروت وأخذ أموال الناس واغتصابها" (4)، وكما كان يهابه الطغاة من الإنس كما فعل مع قطلو بك فيما مر كذلك يفعل مع طغاة الجان ممن يتسببون في إصابة بعض الناس بالصرع فكان يؤتى إليه بالمصروع فيقرأ القرآن ويهدد هؤلاء الطغاة "وكم عوفي من الصراع الجني إنسان بمجرد تهديده للجني وجرت له في ذلك فصول ولم يفعل أكثر من أن يتلوا آيات ويقول: إن لم تنقطع عن هذا المصروع وإلا عملنا معك حكم الشرع وإلا عملنا معك ما يرضي الله ورسوله" (5)، وهكذا فقد "آتى الله تقي الدين بن تيمية هيبة شخصية تروع من يلقاه وتجعله يحس بأنه في حضرة رجل عظيم .. ولقد كان إذا لقي السلطان لقيه ثابت الجأش قوي الجنان وإذا خاطبه في أمر كان قويا في خطابه شديداً في جوابه والسلطان لا يتردد في إجابته وعدم مخالفته فيما يدعوه إليه" (6)، ومثل هذه الأمور شعور قلبي وإحساس نفسي ليس للمادة إليه سبيل فلسمو روحه ورقيها في الملكوت الأعلى من كثرة ذكره لربه ونصرته لشريعته جعلت له هيبة في قلوب الآخرين وهذا فضل الله يؤتيه من يشاء.

المطلب العاشر: دورانه مع الدليل حيث دار:

بداية حياة الإمام ابن تيمية كانت مرتبطة بالعلم أيما ارتباط فقد شهد أباه وهو عالم البلد وحاكمها وخطيبها فتعود منذ نعومة أظفاره على سماع العلم وإيراد الأدلة فقد نشأ وتربى في رحاب أهل العلم بدءاً بحضوره مجالس أبيه وحضوره لكبار علماء الفقه والحديث منذ صغره وظل في السماع من أبيه وغيره "إلى أن بلغ الحادية والعشرين حيث توفي ذلك الموجه الكريم" (1) ومما يظهر اهتمامه بالدليل ودورانه في فلكه أنه في أول نشأته سمع كتب الحديث من أكبر شيوخ عصره مما أدى إلى اتساع ملكة الحفظ عنده واطلاعه على الآثار "ولقد سمع غير كتاب علي غير شيخ من ذوي الروايات الصحيحة العالية أما دواوين الإسلام الكبار كمسند أحمد وصحيح البخاري ومسلم وجامع الترمذي وسنن أبي داود السجستاني والنسائي وابن ماجه والدارقطني فإنه سمع كل واحد منها عدة مرات وأول كتاب حفظه في الحديث: الجمع بين الصحيحين للإمام الحميدي" (2) كما عرف عنه أنه "كان يحفظ المحلّى لابن حزم ويستظهره" (3) فحفظه واستظهاره لهذه الكتب وهي أُمهَّات كتب الحديث تؤهله ليصبح علماً بين العلماء في الركون إلى الدليل وعدم الالتفات إلى أي شخص كان كما كان يتقيد بذلك مَنْ سبقه مِنْ ذوائب العلماء الذين طبقت شهرتهم الآفاق وبحفظه لهذه الأحاديث والآثار جعلت مترجمي حياته يقولون: إنه قد "برع في الحديث وحفظه فقل من يحفظ ما يحفظه من الحديث معزواً إلى أصوله مع شدة استحضارٍ له وقت إقامة الدليل وفاق الناس في معرفة الفقه واختلاف المذاهب وفتاوى الصحابة والتابعين بحيث إنه إذا أفتى لم يلتزم بمذهب معين بل بما يقوم دليله عنده" (4)، وتقيده بالدليل جعله - كما مر- لا يتقيد عند الإفتاء أو الإجابة بمذهب معين بل بما رآه صواباً دائراً مع الدليل ومن راجع كتب هذا الإمام صغيرها وكبيرها يجده لم يخرج عن الشرع قيد أنملة فما من رسالة له أو كتاب أو جواب إلا صدره بأدلة من الكتاب

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير