تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تظهر من عدم شهرة صاحب الترجمة في العلوم العقلية وشهرته في علوم الشريعة أو العكس مع علو كعبه في العلمين ومن هذا الصنف الإمامان حجة الإسلام الإمام أبو حامد الغزالي والإمام تقي الدين السبكي ولكن هذين الإمامين درسا الفقه واشتهرا به من خلال مذهب معين وكذلك دراستهما لبعض العلوم العقلية أو الفلسفية وعلم الكلام إنما هو بالقدر الذي يتمشى مع طريقة عقدية معينة محددة لا تُتجاوز. فقد تضلعا في العلوم المختلفة لكن لخدمة مذهب معين ولسلوك عقدي محدد، ومن أعلام الأمة الإسلامية من تبحر وتضلع في كل العلوم المختلفة بأنواعها دراسة مجردة ومن هذا الصنف الإمام ابن تيمية فقد درس العلوم الشرعية باختلاف مذاهبها ولم تمنعه نشأته الحنبلية على الاقتصار على مذهب الحنابلة بل تعدى التقليد والتعصب وترقى عنه وأخذ بما ترجح له دليله كما تعمق في دراسة العربية بجميع فنونها وكذلك الرياضيات والفلك والمنطق وعلم الكلام ومما يشهد لذلك شهادة خصمه الشهير الإمام تقي الدين السبكي حينما كتب رسالة موجهة إلى الإمام الذهبي قائلاً في حق الشيخ: "فالمملوك [يعني نفسه رحمه الله تواضعاً منه مع من خالفه] يتحقق كبير قدره وزخارة بحره وتوسعه في العلوم الشرعية، والعقلية وفرط ذكائه واجتهاده وبلوغه في كل من ذلك المبلغ الذي بتجاوز الوصف" (1)، وهكذا كان موسوعة علمية متنقلة ومكتبة ناطقة؛ لأنه كان "عارفاً بالفقه واختلاف الفقهاء والأصوليين والنحو وما يتعلق به واللغة والمنطق وعلم الهيئة والجبر والمقابلة وعلم الحساب وعلم أهل الكتابين وأهل البدع وغير ذلك من العلوم النقلية والعقلية وما تكلم معه فاضل في فن من الفنون إلا ظن أن ذلك الفن فنه وكان حفظه للحديث مميزاً بين صحيحه وسقيمه عارفاً برجاله متضلعاً من ذلك" (2)، وكان يفهم كثيراً من اللغة العبرية (3) كما كان يعرف اللغة التركية (4) "وهكذا نستطيع أن نقرر غير مبالغين أنه قرأ كتب العلوم الإسلامية وكتب الفلاسفة التي كانت معروفة في عصره ويظهر أنه لم يكتف بذلك بل قرأ كتب النصارى والأدوار التي مرت عليها عقائد النصارى دراسة فاحصة" (1) فتعلم العلوم الشرعية مع العلوم العقلية سواءً بسواء وتبحر في كل علم وجد في عصره واطلع على كتاب طالته يداه، وما من سبيل إلا سلكه ليبلغ دعوة الحق مستخدماً الأدلة من الكتاب والسنة "ثم يقرب السنة بالعقل فهو يستخدم العقل للتزكية لا للإنشاء والتقريب لا للاهتداء" (2) ويدل على تبحره أشياء كثيرة:

1 - شهادة علماء الأمة من معاصريه ومن بعدهم بتبحره في علمي المنقول والمعقول.

2 - استدلاله واستشهاده في كتبه بسائر العلوم المتاحة في عصره ويظهر ذلك من مراجعه فهارس مجموع الفتاوى (3) له، جـ36، جـ 37.

3 - قيام كثير من الباحثين بكتابة رسائل ومؤلفات في جانب من الجوانب التربوية أو الدعوية في تخصصات مختلفة مثل موقفه من العقل، وموقفه من المنطق، وموقفه من المبتدعة، وموقفه من التكفير، وموقفه من الأشاعرة، والفكر التربوي عنده .. إلخ.

المطلب الثالث عشر: جده وحزمه مع النفس:

إن النفس الطامحة للتحليق فوق العنان نفيسة وتتعب الأبدان. ونفس ظهرت وتناقلت الأخبار بمناقبها لجديرة بأن يكون صاحبها على درجة عالية من الجد والاجتهاد فلا يتطرق إليها الملل ولا يقترب منها كسل بل دائماً تحاول مساواة الثريا وكان لأسرته وبيئته العلمية العامل الأكبر في جده واجتهاده بعد توفيق الله تعالى له "وكان من النتائج لهذه [الأسرة وتلك] البيئة العلمية أن يتجه الفتى الناشئ فيها إلى العلم فاتجه إليه الغلام ابن تيمية صغيراً؛ فحفظ القرآن الكريم منذ حداثة سنه واستقر حافظاً له إلى أن فاضت روحه إلى ربها .. واتجه بعد حفظ القرآن إلى حفظ الحديث واللغة وتعرف الأحكام الفقهية وحفظ ما يسعفه به الزمن وقد بدا فيه منذ صغره ثلاث من المزايا هي التي تمت وظهرت ثمراتها في كبره:

أولاها: الجد والاجتهاد والانصراف إلى المجدي من العلوم والدراسات لا يلهو لهو الصبيان ولا يعبث عبثهم.

ثانيتها: تفتح نفسه وقلبه لكل ما حوله يدركه ويعيه فلم يكن الغلام المنقطع عن الأحياء والحياة إلى الحفظ والاستذكار فقط.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير