تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

والثالثة: الذاكرة الحادة والعقل المستيقظ والفكر المستقيم والنبوغ المبكر" (1) حتى وصف بأنه "لم يزل منذ إبان صغره مستغرق الأوقات في الجد والاجتهاد" (2) فشخصية كهذه كانت بدايتها جد واجتهاد ونظر إلى معالي الأمور فلابد أن "يقف وراءها روح وثابة ونفس طموحة وهمة عالية وإرادة لا تعرف السأم ولا الملل قد هانت عليها لذات الدنيا ومتعها، والعجب الذي لا ينقضي أن تكون هذه المعاني في غلام لم يبلغ مبلغ الرجال بعد؛ وهذا يحتم أن يكون وراء ذلك ربانية وحكمة إلهية ليتحقق به خبر رسول الله صلى الله عليه وسلم وموعوده لأمة الإسلام في تجديد الدين على رؤوس المئين" (3) حتى عرف من بين أقرانه بتلك الهمة العالية "وكان من صغره حريصاً على الطلب مجداً على التحصيل والدأب لا يؤثر على الاشتغال لذة ولا يؤثر أن يضيع منه لحظة في البطالة وقيل إن أباه وأخاه وجماعة من أهله وآخرين ممن يلوذون بظله سألوه أن يروح معهم يوم سبت ليتفرج فهرب منهم ولا ألوى عليهم ولا تفرج فلما عادوا آخر النهار ولاموه على تخلفه وتركه لاتباعهم وما في انفراده من تكلفة فقال: أنتم ما تزيَّد لكم شيء ولا تجدَّد وأنا حفظت في غيبتكم هذا المجلد وكان ذلك الكتاب "روضة الناظر وجنةالمناظر"وهومجلدصغير" (4) فهِمَّتُهُ العالية بدت منذصغره ولازمته حتى وفاته وتنوعت جوانب همته من همة في كثرة التآليف وهمة عالية في كثرة العبادة والذكر والصلاة إلى جانب همته العالية في الجهادفي سبيل الله عزوجل وقد"كان كثيراً ما ينشد:

تموت النفوس بأوصابها

وما أنصفت مهجة تشتكي

من لم يَقُدْ ويدس في خيشومه

ولم تشكُ عوَّادها ما بها

هواها إلى غير أحبابها

رَهَجُ الخميس فلن يقود خميسا(1)

ويؤكد علو تلك الهمة وسموها ما شرف التاريخ بتسطيره لحياة ذلك الإمام بجوانبه المتعددة وجعله روحه فداءً لوجه الله عز وجل.

المطلب الرابع عشر: دوام ذكره وتعظيمه لخالقه عز وجل:

إن ذكر الله عز وجل هو حياة النفوس وقوام الجسد وغذاء الروح وبه يعلو الذاكر إلى أعلى علييين، ودوام ذكر الله تعالى يجعل الذاكر من المقربين ويورث صاحبه خشية لربه و يسمو به إلى مرتبة الصديقين والمخلصين؛ لأن الذاكر لله تعالى يكون على صلة دائمة بربه خالقه فيزكو قلبه ويثرى عقله حكمة وإدراكاً ويجعل من نفسه وأعضائه منبعاً للطهارة والصفاء والنقاء حيث "أن كثرة ذكر الله عز وجل أمان من النفاق؛ فإن المنافقين قليلو الذكر لله عز وجل قال الله عز وجل في المنافقين: (ولا يذكرون الله إلا قليلاً) (2) والله عز وجل أكرم من أن يبتلي قلباً ذاكراً بالنفاق وإنما ذلك لقلوب غفلت عن ذكر الله عز وجل" (3)، وأكثر خلق الله ذكراً لله هو نبينا محمد صلى الله عليه وسلم فقد "كان النبي صلى الله عليه وسلم أكمل الخلق ذكراً لله عز وجل، بل كان كلامه كله في ذكر الله وما والاه وكان أمره ونهيه وتشريعه للأمة ذكراً منه لله" (4)، وقد اقتفى أثره الصالحون من أمته حتى صار ديدنهم وهجيراهم .. وممن اشتهر عنه ذلك الإمام ابن تيمية حيث وصفه من رآه أو عاشره أو تعامل معه بكثرة الذكر ولهج لسانه به وتعظيمه لأوامر ربه يقول الإمام الذهبي: "كان معظماً لحرمات الله دائم الابتهال كثير الاستعانة بالله قوي التوكل ثابت الجأش له أوراد وأذكار يديمها" (5)، وقال تلميذه النجيب الإمام ابن القيم: "وحضرتُ شيخ الإسلام ابن تيمية مرة صلى الفجر ثم جلس يذكر الله تعالى إلى قريب من انتصاف النهار ثم التفت إليّ وقال: هذه غدوتي ولو لم أتغد هذا الغداء سقطت قوتي .. وقال لي مرة: لا أترك الذكر إلا بنية إجمام نفسي وإراحتها لأستعد بتلك الراحة لذكر آخر" (1)، وقد امتزج ذكر الله بروح هذا الإمام الجليل حتى عبر عن مدى تعلقه بربه سبحانه وتعالى فقال:"الذكر للقلب مثل الماء للسمك فكيف يكون حال السمك إذا فارق الماء؟! " (2) كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: "مثل الذي يذكر ربه والذي لا يذكر ربه مثل الحي والميت" (3)، ومن أقواله: "إن في الدنيا جنة [يعني بها: جنة الإيمان بالله وبما جاء به سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم] من لم يدخلها [أي: يتصف بها في الدنيا] لا يدخل جنة الآخرة وقال: ما يصنع أعدائي بي؟! أنا جنتي وبستاني في صدري [يعني بذلك: إيمانه وعلمه] إن رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير