تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما مذهبه: فقد نشأ وتربى وتعلم على أصول المذهب الحنبلي فأبوه وجده بل أسرته أعلام الحنابلة في دمشق والشام ولكنه لم يقتصر في دراسته على المذهب الحنبلي بل درس المذاهب الفقهية الأخرى ثم آل أمره في آخر حياته –ككبار الأئمة- إلى عدم التقيد بمذهب معين بل كان يفتي بما يترجح له دليله ومع ذلك فلم يكن يتعصب لإمام أو شيخ أو مذهب بل يرى أنه من اليسر اتباع الناس لأي رأي من آراء العلماء؛ لهذا لما سأله تلميذه الحافظ البزار تأليف نص في الفقه يجمع اختياراته وترجيحاته ليكون عمدة في الإفتاء فقال له ما معناه: "الفروع أمرها قريب ومن قلد –المسلم- فيها أحد العلماء المقلدين جاز له العمل بقوله ما لم يتيقن خطأه" (1) وكان يذكر أن اختلاف العلماء رحمة واسعة فقال: "ولهذا كان بعض العلماء يقول: إجماعهم حجة قاطعة واختلافهم رحمة واسعة" (2) وكان عمر بن عبد العزيز يقول: ما يسرني أن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا؛ لأنهم إذا أجمعوا على قول فخالفهم رجل كان ضالاً وإذا اختلفوا فأخذ رجل بقول هذا ورجل بقول هذا كان في الأمر سعة وكذلك قال غير مالك من الأئمة: ليس للفقيه أن يحمل الناس على مذهبه [ثم نقل عن بعض الشافعية قول بعضهم:] وليس لأحد أن يلزم الناس باتباعه فيها ولكن يتكلم فيها بالحجج العلمية فمن تبين له صحة أحد القولين تبعه ومن قلد أهل القول الآخر فلا إنكار عليه" (3) ومع هذا هو مجل للأئمة فيحترمهم ويدافع عنهم وينهى عن الطعن فيهم وأنهم وإن اختلفوا في مسائل فهذا الخلاف إنما

نشأ عن اجتهاد كل واحد منهم ثم أرجع أسباب الاختلاف إلى أعذار ثلاثة هي: ()

الأول: عدم اعتقاده [أي العالم] أن النبي صلى الله عليه وسلم قاله.

الثاني: عدم اعتقاده إرادة تلك المسألة بذلك القول.

الثالث: اعتقاده أن ذلك الحكم منسوخ. ثم فصل القول على هذه الأعذار الثلاثة في رسالته: رفع الملام عن الأئمة الأعلام.

المطلب الخامس: أخلاقه وسجاياه وبعض أقواله:

الكلام على أخلاق الإمام ابن تيمية وسجاياه إنما هو كلام على الآداب الإسلامية التي تجلت في شخصه وبرزت أخلاقه خلال اتباعه وتمسكه بالكتاب والسنة فكان يطبق ما فيها حتى ظهر عليه في معاملاته وحسن عشرته. والكلام على سجاياه يشمل الخَلْقية والخُلقية أما سجاياه الخلقية فيصفه مؤرخ الإسلام الإمام الذهبي بقوله: "كان أبيض أسود الرأس واللحية، قليل الشيب جهوري الصوت شعره إلى شحمة أذنيه فصيح اللسان، أعين كأن عينيه ناطقتان، ربعة من الرجال بعيد ما بين المنكبين تعتريه حدة لكن يقهرها بالحلم" (2) وأما سجاياه الخُلقية فكثيرة كثيرة يصعب حصرها في بحث واحد والأمر كما قال الإمام ابن الزملكاني:

"ماذا يقول الواصفون له وصفاته جلت عن الحصر" (3) والحافظ البزار بقوله: "فإنه قل أن سُمع بمثله" (4) ومن هذه الأخلاق ما يلي:

1 - إيثاره مع فقره: فكان – رضي الله عنه- مع رفضه للدنيا وتقلله منها مؤثراً بما عساه يجده منها قليلاً كان أو كثيراً ولا يحتقر القليل فيمنعه ذلك عن التصدق به حتى إنه إذا لم يجد شيئاً يتصدق به نزع بعض ثيابه فيصل بها الفقراء وكان يستفضل من قوته الرغيف والرغيفين فيؤثر بذلك على نفسه" (1) وفي مرة رأى " الشيخ محتاجاً إلى ما يعتم به فنزع عمامته من غير أن يسأله الرجل ذلك فقطعها نصفين واعتم بنصفها ودفع النصف الآخر إلى ذلك الرجل" (2).

1 - كرمه: لقد عرف الإمام ابن تيمية بالكرم؛ لأنه "كان مجبولاً عليه لا يتطبعه ولا يتصنعه بل هو له شجية؛ فكان لا يرد مَنْ يسأله شيئاً يقدر عليه من دراهم ولا دنانير ولا ثياب ولا كتب ولا غير ذلك ولقد كان يجود بالميسور كائناً ما كان وقد جاءه يوماً إنسان يسأله كتاباً ينتفع به فأمره أن يأخذ كتاباً يختاره فرأى ذلك الرجل بين كتب الشيخ مصحفاً قد اشتري بدراهم كثيرة فأخذه ومضى ومن كرمه أنه كان ينكر إنكاراً شديداً على من يُسأل شيئاً من كتب العلم التي يملكها ويمنعها من السائل ويقول: ما ينبغي أن يمنع العلم ممن يطلبه" (3) ومن جوده في العلم أنه كان كريماً في نشره للعلم وبثه بين صفوف المجتمع كله كما ذكر ذلك تلميذه النجيب الإمام ابن القيم: "ولقد شاهدت من شيخ الإسلام ابن تيمية –قدس الله روحه- في ذلك أمراً عجيباً: كان إذا سُئل عن مسألة حُكمية ذكر في جوابها مذاهب الأئمة الأربعة إذا قدر

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير