تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

تولى الإمام ابن تيمية منصب التدريس وهو شاب في العشرين من عمره وهو أمر ليس بجديد على تلك الأسرة المعروفة بالعلم .. فحياة الإمام ابن تيمية ونشأته الأولى بين يدي أسرته المعروفة بالعلم ونهله العلم منها ومن علماء عصره منذ صغره، وكذلك ما ظهر عليه من نبوغ منذ صغره أهله لتولي منصب التدريس فقد كان المكان له مهيئاً وكرسي التدريس كان شاغراً حيث كان لأبيه مشيخة الحديث فلما توفي سنة 682هـ تولى مكان أبيه بعد موته بسنة أي وعمره اثنتان وعشرون سنة مما جعله جديراً بأن يتبوأ أعلى المناصب العلمية مع ما منّ الله تعالى عليه ووهبه من هبات تكونت بها شخصيته وهو مع هذا وذاك " كان يحضر المدارس والمحافل في صغره فيناظر ويفحم الكبار ويأتي بما يتحيرون منه وأفتى وله أقل من تسع عشرة سنة وشرع في الجمع والتأليف وبعد صيته في العالم فطبق ذكره الآفاق وأخذ في تفسير الكتاب العزيز أيام الجمع [في سنة 681هـ] على كرسي من حفظه فكان يورد المجلس ولا يتلعثم وكذلك الدرس بتؤدة وصوت جهوري فصيح" (1) يبهر من سمع أو حضر وحاله هذه مع حضور كبار علماء عصره له ومع ذلك لا يسعهم عند انتهائه من درسه إلا أن يثنوا عليه وعلى درسه وكثرة فوائده ويبدون دهشتهم من سرعة بديهته واستحضاره ثم ظل يترقى "بهذه الصفات الشخصية وهذه المواهب وتلك المدارس وذلك العلم الغزير فألقى دروسه في الجامع الكبير بلسان عربي مبين فاتجهت إليه الأنظار واستمعت إليه أفئدة سامعيه وانتقل كثيرون من المستمعين إلى تلاميذ مريدين متحمسين معجبين وصار له من بينهم مخلصون إخلاص الحواريين الصديقين وكانت دروسه تجمع الموافق والمخالف والبدعي والسني ومعتنق مذاهب الجماعة ومذهب الشيعة فكثر تلاميذه وكثر سامعوه وكثر التحدث باسمه في المجالس العلمية .. ودروسه وإن تعددت نواحيها تجمعها جامعة واحدة واتجاه واحد وهو إحياء ما كان عليه الصحابة أهل القرن الأول الذي تلقى الإسلام صافياً لم يرنق بأفكار غريبة ولم تدرس في نحل بائدة .. [بل] كان ينهج النهج الذي يعود بالإسلام إلى عهد الصحابة في عقائده وأصوله وفروعه" (2) وإن توليه تدريس العلوم الشرعية والدعوة إلى دين الإسلام والرد على الطاعنين: كافرين ومبتدعين ومقلدين جامدين ظل ملازماً له حتى صعدت روحه إلى باريها ولقد درَّس الناس وأفتاهم في الشام ومصر وأجاب على أسئلة واستشكالات كانت ترد إليه من سائر بقاع الأرض ومع كثرة ما يوجد في شروحه من إيضاحات وفوائد ولطائف إلا أنه لم يكن يستعد لشرح شيء معين فإنه "كان لا يهيئ شيئاً من العلم ليلقيه ويورده بل يجلس بعد أن يصلي ركعتين فيحمد الله ويثني عليه ويصلي على رسوله صلى الله عليه وسلم [إذ إنه] كان لا يذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم قط إلا ويصلي ويسلم عليه على صفة مستحسنة مستعذبة ثم يشرع فيفتح الله عليه إيراد علوم وغوامض ولطائف ودقائق وفنون واستدلالات بآيات وأحاديث وأقوال العلماء ونصر بعضها وتبيين صحته أو تزييف بعضها وإيضاح حجته واستشهاد بأشعار العرب وهو مع ذلك يجري كما يجري السيل ويفيض كما يفيض البحر وذلك كله مع عدم فكر فيه أو روية من غير تعجرف ولا توقف ولا لحن بل فيض إلهي حتى يبهر كل سامع وناظر فلا يزال كذلك إلى أن يصمت ويقع عليه إذ ذاك من المهابة ما يرعد القلوب ويحير الأبصار والعقول وإذا فرغ من درسه يفتح عينية ويقبل على الناس بوجه طلق بشيش وخلق دمِث كأنه قد لقيهم حينئذٍ وربما اعتذر إلى بعضهم من التقصير في المقال مع ذلك الحال" (1) مع اختلاف منازل الحاضرين وعلمهم من "علماء ورؤساء وفضلاء من القراء والمحدثين والفقهاء والأدباء وغيرهم من عوام الناس" (2) ويصفه تلميذه الحافظ البزار بقوله: "ولقد كان إذا قرئ في مجلسه آيات من القرآن العظيم يشرع في تفسيرها فينقضي المجلس بجملته والدرس برمته وهو في تفسير بعض آية منها وكان مجلسه في وقت مقدر بقدر ربع النهار يفعل ذلك بديهة من غير أن يكون له قارئ معين يقرأ له شيئاً معيناً يبيته ليستعد لتفسيره بل كان من حضر يقرأ ما تيسر ويأخذ هو في القول على تفسيره وكان غالباً لا يقطع إلا ويفهم السامعون أنه لولا مضي الزمن المعتاد لأورد أشياء أخر في معنى ما هو فيه من التفسير لكن يقطع نظراً في مصالح الحاضرين" (3) مما جعل محبته في قلوب الناس على اختلاف مشاربهم وتنوع

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير