تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

توجهاتهم؛ لما لمسوه من حرصه عليهم وعدم تكبره عليهم ومخالطته لهم، ولا يمنعه من تعليمهم حبس ولا ترسيم وكذلك لا يمنعه لقاء عدو أو أمن وسلم في وطنه أو خارجه أو كان على سفر.

المطلب السابع: من محراب العلم إلى ميدان القتال: (1)

العالم الرباني عابد لله تعالى في كل وقت وعلى أي حال فإن كان في المسجد فهو المعلم الواعظ المرشد وإن كان على منبر فهو الخطيب المصقاع وإن كان في الطريق فهو ذاكر لله عز وجل آمر بمعروف أو ناه عن منكر أو ناصح ... وإن دعا داعي الجهاد كان أول الملبين وإن التحم الصفان كان هو المقاتل الصنديد والمدافع المقدام الشجاع وإن كان هناك مكان شاغر من أماكن المرابطة كان السابق إليه؛ لعلمه بفضله وأهميته كما أن العالم يدخل بين الصفوف يشجع الجنود ويعلي من هممهم ويتلو عليهم آيات الجهاد والشهادة والمرابطة ويعدهم بالنصر الذي وعد ربهم وكان هذا حال الإمام ابن تيمية فمع أنه يعلِّم فهو يقاتل ولقد "كان الإمام ابن تيمية عاكفاً على الدرس والفحص والوعظ والإرشاد وبيان الدين صافياً نقياً كما نزل على النبي صلى الله عليه وسلم وكما تلقاه السلف الصالح رضوان الله سبحانه وتعالى عليهم أجمعين ومع عكوفه على الدرس كان متصلاً بالحياة والأحياء يقيم الحسبة ويبلغ ولاة الأمر إن رأى أمراً يوجب تبليغهم .. [هذا وإن] ذلك العالم الجليل ما كان يشغله درسه عن شؤون الدين العامة والقيام على حراسته وحمايته من المتهجمين عليه وأنه في سبيل حمايته لا يخشى في الله لومة لائم" (2) فالعالم العامل الرباني يحمل بيده مصحفاً وسيفاً في الأخرى إذ هما بالنسبة إليه كجناحي الطائر لا يغني أحدهما عن الآخر وإن وقوفه في ميدان القتال وشجاعته قد ضربت بها الأمثال وهذا مما لا يختلف فيه اثنان سواء ممن عاصروه أو ترجموا له فكان ينزل منزل الموت عند اللقاء ولا يراه المحاربون إلا بعد انتهاء المعركة وفي أثنائها من يراه يرى أسداً هصوراً مندفعاً يصول ويجول ويقاتل الأعداء طالباً الشهادة وإن رأى من الجنود وهناً أو ضعفاً أو جبناً شجعهم وثبت قلوبهم من خلال تلاوته عليهم آيات الجهاد وبما يرونه من قتاله وبسالته. وإن تتبع كل المعارك والوقائع التي شهدها الإمام أو حصر مواقفه الشجاعة ليست من السهولة بمكان وبفرض حصرها فجمعها وسردها يحتاج إلى كتابة مسهبة ولكن الذي يمكننا هو الإشارة إلى بعض تلك المواقف الدالة على شجاعته وجرأته مع الأعداء على اختلاف مشاربهم وتنوعهم كما يلي:

1 - جهاده وقتاله ضد التتار وهو الأغلب.

2 - جهاده وقتاله ضد النصارى.

3 - جهاده ضد الروافض والمعتدين.

أما جهاده ضد التتار فمعروف ومشهور فمن ذلك موقفه من غازان ملك التتر حيث ذهب إليه هو ووفد من أعيان دمشق في 699هـ حيث أغلظ له القول وكان ذلك الموقف سبباً في عدم اعتداء ذلك الملك على دمشق وكذلك بعد رحيل التتار خاف الناس من عودتهم مرة أخرى فاجتمعوا حول الأسوار لحفظ البلاد وكان الإمام يدور عليهم كل ليلة يثبت قلوبهم ويصبرهم وبعد ذلك في سنة 700هـ لما طارت شائعة قدوم التتار مرة ثانية لغزو الشام وخاف الناس وهرب كثير من الأعيان والأمراء والعلماء ولكن الإمام ابن تيمية جلس في الجامع يحرض الناس على القتال والنهي عن الفرار ويحثهم على فضل الإنفاق في سبيل الله. وكما تسامعت الأخبار بأن السلطان تراجع عن الحرب سافر إليه الإمام وأتى مصر ليحثه على الجهاد ويثبت قلبه ووعده بنصر الله عز وجل ثم خاطب السلطان بلهجة غليظة قائلاً له: "إن كنتم أعرضتم عن الشام وحمايته أقمنا سلطاناً يحوطه ويستغله في زمن الأمن" (1) ولقد ظهرت شجاعة الإمام ابن تيمية ولمعت في جهاده في نوبة شقحب سنة 702هـ بتحريضه على القتال وبتثبيت السلطان والأمراء والجنود ووعده إياهم بالنصر وكان يقبل على الخليفة تارة وعلى السلطان أخرى ويربط جأشهما ويشجعهما حتى كتب الله النصر للمسلمين فارتفعت منزلة الشيخ وعلا قدره عند العامة والخاصة وعرفوا فضله ودوره في إحراز النصر. وأما جهاده ضد النصارى: فقد حكى تلميذه وصاحبه الحافظ البزار عمَّن رأوا الشيخ وشاهدوه في جهاده ضد النصارى فقال: "وحدثوا أنهم رأوا منه في فتح عكة أموراً من الشجاعة يُعجز عن وصفها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير