تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قالوا: ولقد كان السبب في تملك المسلمين إياها بفعله ومشورته" (1) وكان ذلك في سنة 690هـ وكان عمره أقل من ثلاثين سنة وهذا ليس بمستغرب فقد عرف وهو صغير واشتهر أمره وتناقلت الأخبار في البلدان منذ نعومة أظفاره بإلقائه الدروس وإفحامه لخصومه كما اشتهر وهو دون العشرين وجلس مجلس التفسير وهو في نفس سن قتاله مع النصارى فلابد وأنه قد شارك معهم وعرف أمره واشتهر في تلك المعركة لما نادى منادي الجهاد فاستعد المسلمون للقتال "ونودي في دمشق: الغزاة في سبيل الله إلى عكة ... وخرجت العامة والمتطوعة يجرون في العجل حتى الفقهاء والمدرسين والصلحاء ... وخرج الناس من كل صوب" (2) ومن جهاده ضدهم أنه "لما ظهر السلطان غازان على دمشق المحروسة جاءه ملك الكُرج وبذل له أموالاً كثيرة جزيلة على أن يمكنه من الفتك بالمسلمين من أهل دمشق ووصل الخبر إلى الشيخ فقام من فوره وشجع المسلمين ورغبهم في الشهادة ووعدهم بالنصر والظفر والأمن وزوال الخوف فانتُدب منهم رجالٌ من وجوههم وكبرائهم وذوي الأحلام منهم فخرجوا معه إلى حضرة السلطان غازان فلما رآهم السلطان قال: من هؤلاء؛ فقيل: هم رؤساء دمشق فأذن لهم فحضروا بين يديه فتقدم الشيخ رضي الله عنه أولاً فلما أن رآه أوقع الله له في قلبه هيبة عظيمة حتى أدناه وأجلسه وأخذ الشيخ في الكلام معه أولاً في عكس رأيه عن تسليط المخذول ملك الكرج على المسلمين وضمن له أموالاً وأخبره بحرمة دماء المسلمين وذكره ووعظه فأجابه إلى ذلك طائعاً وحقنت بسببه دماء المسلمين وحميت ذراريهم وصين حريمهم" (3) فجهاده ضد النصارى كان مباشرة بالسيف كما كان غير مباشر عن طريق دفع ضررهم وإحباط محاولتهم الفاشلة في الاستيلاء على المسلمين من قبل التتار.

وأما جهاده ضد الروافض والمعتدين فمن ذلك في سنة 704هـ حيث إنه "لم يزل الشيخ –رحمه الله- قائماً أتم قيام على قتال أهل جبل كِسْروان وكتب إلى أطراف الشام في الحث على قتالهم وأنها غزاة في سبيل الله ثم توجه هو بمن معه لغزوهم بالجبل وبصحبته ولي الأمر نائب المملكة ومازال مع ولي الأمر في حصارهم حتى فتح الله الجبل وأجلى أهله" () ونصره الله عليهم وأخمد فتنتهم وألزمهم اتباع الشريعة المطهرة قولاً وعملاً واعتقاداً.

المطلب الثامن: مكانته ومرتبته الاجتهادية:

لقد تبوأ الإمام ابن تيمية مكانة علمية عالية مرموقة، وظل طوال حياته يترقى حتى صار أعلم أهل زمانه بالمعقول والمنقول وكانت له اليد الطولى في التصنيف كما كان مبرزاً في علوم اللغة وكان علماً في الجهاد والإصلاح والصلاح شهد بذلك كل مَنْ رآه أو تعامل معه و"لقد أجمع الذين عاصروه على قوة فكره وسعة علمه وأنه بعيد المدى عميق الفكرة يستوي في ذلك الأولياء والأعداء؛ فإن تلك القوة الفكرية هي التي أثارت الأولياء لنصرته وأثارت الأعداء لعداوته" (2) و"أما معرفته بصحيح المنقول وسقيمه فإنه في ذلك من الجبال التي لا ترتقى ولا ينال سنامها فقلَّ أن ذكر له قول إلا وقد علمه بمبتكره وذاكره وناقله وأثره ... حتى كان إذا ذكر آية أو حديثاً وبين معانيه وما أريد به أعجب العالم الفطن من حسن استنباطه ويدهشه ما سمعه أو وقف عليه منه" (3) ووصف بأنه كان غزير العلم "أما غزارة علومه فمنها: ذكر معرفته بعلوم القرآن المجيد واستنباطه لدقائقه ونقله لأقوال العلماء في تفسيره واستشهاده بدلائله وما أودعه الله تعالى فيه من عجائب وفنون حكمه وغرائب نوادره وباهر فصاحته وظاهر ملاحته فإنه فيه الغاية التي ينتهى إليها والنهاية التي يعول عليها" (4) وقد قال أحد أصحابه وتلاميذه ممن يكبره سناً (5) "ولا يعرف حقه وقدره إلا من عرف دين الرسول صلى الله عليه وسلم وحقه وقدره" (6) فمكانته العلمية كانت في الذروة من العلماء وكان مرجع الناس في العلوم العقلية والنقلية.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير