تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأما مرتبته الاجتهادية فإنه قد بلغ مرتبة اجتهادية عالية وهذه المنزلة هي أنه من كبار المجتهدين المنتسبين إلى مذهب الحنابلة في الفقه و"إنه بلا شك من حيث أدوات الاجتهاد والمدارك الفقهية ومن حيث علمه بالسنة واللغة ومناهج التفسير وفهمه للقرآن وأصول السنة وإحاطته بالحديث دراية ورواية يوضع في الدرجة الأولى من الاجتهاد: فإن نظرنا إلى ذلك وحده فسنضعه في مرتبة المجتهدين المستقلين ولكن نجده قد سلك في استنباطه مسلك الإمام أحمد في الجملة متقيداً بأصوله وفوق ذلك أن الذي انفرد به لا يعد كثيراً بل نادراً لا يكاد ينفرد كما نوهنا فإن تقيدنا بهذه الناحية فإنا بمقتضى القواعد المقررة نضعه ضمن المجتهدين في المذهب الحنبلي إنه بلا شك قد استوفى في شخصه كل شروط المجتهد المطلق من الأدوات والعلم والمدارك ولكن من ناحية الموضوعات التي وصل فيها إلى نتائج مخالفة ومن حيث منهاجه نجدها لا تخرج به عن الإطار المذهبي" (1) وهذه المرتبة العلمية والاجتهادية إنما وصل إليها "نظراً لاستبحاره في السنة وتفسير القرآن وعلوم السلف" (2) ونتيجة لعلو كعبه في العلوم الشرعية فإنه أصبح في آخر عمره لا يتقيد بمذهب معين بل بما أداه إليه اجتهاده وقد وصفه تلميذه الإمام الذهبي بقوله:"وبقي عدة سنين لا يفتي بمذهب معين بل بما قام الدليل عليه عنده" (3) ويرجع هذا لرفعة شأنه وعلو كعبه وتبحره في العلوم الشرعية والعقلية حيث تأتي إليه الفتاوى فيفتي بما أداه إليه اجتهاده وإدراكه مع إحاطته بعلوم السلف ولربما خرج من نتائج فتاواه لموافقة إمام من الأئمة المتبوعين أو وافق عالماً من سلف هذه الأمة من غير تقليد "وإن القارئ لفقه ابن تيمية في كل أبوابه يلمح فيه عقلية الفقيه المجتهد الذي تحرر من القيود المذهبية في دراسته ولا يلمح فيه المقلد التابع من غير بينة وبرهان فهو في فتاويه متخير مستنبط كما هو في اختياراته بيد أنه في اختياراته لا يتقيد بمذهب وفي فتاويه يتقيد بالمذهب الحنبلي" (4) وهذا ما يؤكد أن الإمام ابن تيمية: "مجتهد منتسب" (5) أي منتسب لمذهب الحنابلة في الفقه ولكنه من أهل الاجتهاد فيه هذا بالنسبة للفقه أما في الاعتقاد فهو على مذهب السلف الصالح مذهب أهل السنة والجماعة.

المطلب التاسع: أقوال العلماء فيه:

لقد أثنى كبار علماء عصر الإمام ابن تيمية عليه وأكثروا من ذلك؛ لما لمسوه من جمعه بين القول والعمل وبين الإمامة في الدين والزهد في الدنيا بزخارفها وبما رأوا منه من موافقة للسلف الصالح وإحيائه لهديهم وحمله راية الجهاد في سبيل الله ولو أردنا استقصاء كل من أثنى عليه من علماء عصره ومن أتى بعده لما استطعنا إلى ذلك سبيلاً؛ نظراً لكثرة من أثنى عليه من علماء عصره أو من أتى بعدهم أما ما يتعلق بعلماء عصره فإننا "نستطيع أن نقول: إن كل علماء عصره علموا قدر علمه حتى من ناوأه وحاول إيذاءه؛ لأنه قد ضاق صدره حرجاً بمخالفته وما يأتي به من جديد وإن لم يستمد من القديم قوته فلم يوافق عليه" (1) ولنقتبس بعضاً من تلك المشكاة والتي تكونت من العلماء الذين أثنوا عليه فمن هؤلاء:

الإمام ابن دقيق العيد: "لما اجتمعت بابن تيمية رأيت رجلاً كل العلوم بين عينيه يأخذ ما يريد ويدع ما يريد وقلت له: ما كنت أظن أن الله بقي يخلق مثلك" (2)

ومنهم الإمام الذهبي: "كان آية من الذكاء وسرعة الإدراك رأساً في معرفة الكتاب والسنة والاختلاف، بحراً في النقليات هو في زمانه فريد عصره علماً وزهداً وشجاعة وسخاءً وأمراً بالمعروف ونهياً عن المنكر وكثرة تصانيف" (3) وقال أيضاً: "وهو أكبر من أن ينبه على سيرته مثلي فلو حلفت بين الركن والمقام لحلفت أني ما رأيت بعيني مثله وأنه ما رأى مثل نفسه في العلم" (4)

وقال الإمام علم الدين البرزالي:: "كان إماماً لا يلحق غباره في كل شيء وبلغ رتبة الاجتهاد واجتمعت فيه شروط المجتهدين" (5)

وقال الإمام ابن الزملكاني: "اجتمعت فيه شروط الاجتهاد على وجهها وأن له اليد الطولى في حسن التصنيف وجودة العبارة والترتيب والتقسيم والتدين وكتب على تصنيف له هذه الأبيات:

ماذا يقول الواصفون له

هو حجةٌ لله قاهرة

هو آية في الخلق ظاهرة

وصفاته جلت عن الحصر

هو بيننا أعجوبة الدهر

أنوارها أربت على الفجر" (1)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير