وقال الإمام ابن سيد الناس: "ألفيته ممن أدرك من العلوم حظاً وكان يستوعب السنن والآثار حفظاً إن تكلم في التفسير فهو حامل رايته وإن أفتى في الفقه فهو مدرك غايته أو ذاكر بالحديث فهو صاحب علمه وذو روايته أو حاضر بالنحل والملل لم يُر أوسع من نحلته ولا أرفع من درايته، برز في كل فن على أبناء جنسه ولم ترعين من رآه مثله ولا رأت عينه مثل نفسه" (2)
وقال الإمام المزي: "ما رأيت مثله ولا رأى مثل نفسه وما رأيت أحداً أعلم بكتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ولا أتبع لهما منه" (3)
وقال الإمام ابن الحريري (4) "إن لم يكن ابن تيمية شيخ الإسلام فمن هو؟! " (5)
وقال أبو حيان التوحيدي: "ما رأت عيناي مثله ثم مدحه أبو حيان على البديهة لما اجتمع به في المجلس فقال:
لما أتينا تقي الدين لاح لنا
على محياه من سيما الأولى صحبوا
حبر تسربل منه دهره حبراً
قام ابن تيمية في نصر شرعتنا
فأظهر الحق إذ آثاره درست
كنا نحدث عن حبر يجيء فها
داعٍ إلى الله فرد ماله وزر
خير البرية نور دونه القمر
بحر تقاذف من أمواجه الدرر
مقام سيد تيم إذ عصت مضر
وأخمد الشر إذ طارت له الشرر
أنت الإمام الذي قد كان يُنتظر
وقال الإمام ابن الوردي:
إن ابن تيمية في
أحييت دين أحمدٍ
كل العلوم أو حد
وشرعه يا أحمد" (1)
فهذه بعض النقول عن تلك الأعلام من كبار علماء عصره والذين شاهدوه وعاصروه وقالوا ما قالوه فيه بعد الاجتماع به وأما أقوال المتأخرين فكثيرة جداً وإنما ينقلون عن هؤلاء الأئمة الأعلام وبعضهم يقول فيه من خلال مؤلفاته وتراجمه ومن هؤلاء المتأخرين عنه الإمام ابن رجب الحنبلي (2): "الإمام الفقيه المجتهد المحدث الحافظ المفسر الأصولي الزاهد شيخ الإسلام وعلم الأعلام وشهرته تغني عن الإطناب في ذكره والإسهاب في أمره" (3)
والإمام ابن حجر العسقلاني (4) بقوله: "قرأ بنفسه ونسخ سنن أبي داود وحصل الأجزاء ونظر في الرجال والعلل وتفقه وتمهر وتميز وتقدم وصنف ودرس وأفتى وفاق الأقران وصار عجباً في سرعة الاستحضار وقوة الجنان والتوسع في المنقول والمعقول والاطلاع على مذاهب السلف والخلف" (5)
والإمام السيوطي بقوله: "شيخ الإسلام أحد المجتهدين" (6)
والإمام الشوكاني (7) بقوله: "شيخ الإسلام إمام الأئمة المجتهد المطلق" (8)
والشيخ محمد أبو زهرة (1) بقوله: "الإمام الجريء، العالم الكاتب الخطيب المجاهد" (2) كما وصفه بأنه مجتهد منتسب لمذهب الحنابلة (3) كما وصفه الإمام مرعي الكرمي (4) بقوله: "شيخ الإسلام وبحر العلوم ومفتي الفرق المجتهد تقي الدين ابن تيمية" (5) وغيرهم الكثير والكثير ممن ترجموا لهذا الإمام فمنهم من ترجمه في كتاب من كتبه ومنهم في أكثر من ذلك كما أن من يترجمون لحياة هذا الإمام إما تكون ترجمة لجانب معين: علمي أو فقهي أو تربوي أو عقدي أو إصلاحي وإما ترجمة عامة لحياته مما يدل على علو كعبه ورفعة شأنه بين العلماء المتقدمين والمتأخرين.
المطلب العاشر: دوره الإصلاحي والجهادي وسبب محنته:
دوره الإصلاحي: هناك ثمة فرق بين المصلحين والصالحين: فالمصلحون يبنون الأجيال والجماعات والأمم بينما الصالحون لا يبنون إلا أنفسهم وشأن المصلحين عظيم؛ إذ إنه يرتبط بمصير أمته وإن إماماً كالإمام ابن تيمية كان من كبار المصحلين؛ لأنه ما تخلى عن أمته وعكف على كتبه ودرسه بل شارك أمته همومها وأفراحها وتمثل إصلاحه في أمور خارجية لها ارتباط بالأمم الأخرى.
فمن الأمور الداخلية يبرز دوره الإصلاحي في نشر العلم وتعظيم الكتاب والسنة وتوقير أئمة السلف الصالح وذلك بالتطبيق العملي للاقتداء والاتباع ونَبْذِِِِِِِ التقليد ومن ذلك أيضاً فتح باب الاجتهاد ومن الأمور الداخلية أيضاً القضاء على بعض البدع والتي قد تسربت إلى الأمة الإسلامية وكذلك حثه للسلطان على قتال الطوائف الممتنعة عن تطبيق الشريعة وإفتاؤه بأن قتالهم هو من جنس قتال الخوارج الذين قاتلهم علي رضي الله عنه ومن جنس الذين قاتلهم أبو بكر الذين امتنعوا من إعطاء الزكاة ومن تلك الطوائف من يكونون ذوي شوكة فيحاربون من قبل السلطان ومنهم غير ذلك فيجادلون بالحجة ويقارعون حتى يرجعوا إلى أحكام الشريعة المطهرة ومن الأمور التي كان له دور في إظهارها أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر بدءاً من السلطان والأمراء بحثهم على تطبيق الشرع وإقامة حكم الله
¥