تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وكذلك حياة الإمام منظومة من المحن تتابعت عليه حيث إنه سجن سبع مرات (1) أربع مرات بمصر: بالقاهرة والإسكندرية، وثلاث مرات بدمشق وكانت بداية السجن له حينما بلغ الثانية والثلاثين من عمره وبعد عودته من الحج حيث بدأ تعرضه لأخبئة السجون وبلايا الاعتقال والترسيم عليه "أي: الإقامة الجبرية" خلال أربعة وثلاثين عاماً ابتداءً من عام 693هـ إلى يوم وفاته في سجن القلعة بدمشق يوم الإثنين 20 ذي القعدة سنة 728هـ ولسجناته أسباب متعددة: أما السجنة الأولى فكانت بدمشق عام 693 هـ لمدة قليلة وكانت بسبب واقعة عساف النصراني الذي سب النبي ? فلما بلغ الخبر شيخ الإسلام اجتمع هو وشيخ دار الحديث فدخلا على نائب السلطان بدمشق فطلب النائب إحضاره فحضر هو ومجيره فضربهما الناس بالحجارة؛لهذا طلب النائب الشيخين فضربهما بين يديه ورسّم عليهما ثم استدعاهما النائب وأرضاهما0

وأما السجنة الثانية: فكانت بمصر بسبب مسائل في الصفات كمسألة العرش والنزول وكانت لمدة سنة وستة شهور من رمضان 705هـ - شوال ربيع الأول 707 هـ 0

وأما السجنة الثالثة: فكانت بمصر بسبب مسألة منعه الاستغاثة والتوسل بالمخلوقين وكلامه في ابن عربي الصوفي وكانت هذه المدة يسيرة ابتداءً من أول شوال707 هـ -18 شوال 707 هـ 0

وأما السجنة الرابعة: وكانت بمصر وهي امتداد للثالثة لمدة تزيد عن شهرين من آخر شوال 707 هـ - أول سنة 708 هـ 0

و أما السجنة الخامسة: فكانت بمصر وهي امتداد للرابعة حيث وقع الترسيم عليه بالإسكندرية لمدة سبعة شهور وأيام من غرة ربيع الأول 709 - شوال 709هـ وكان ذلك بإيعاز من بعض المغرضين0

و أما السجنة السادسة: فكانت بدمشق بسبب مسألة الحلف بالطلاق الطلاق و أنه من الأيمان الُمكفَّرة وكانت لمدة خمسة شهور و ثمانية وعشرين يوماً من 12 رجب 720 هـ– إلى 10 محرم 721 هـ

وأما السجنة السابعة والأخيرة: فكانت بدمشق بسبب مسألة الزيارة السنية والبدعية للمقابر ودامت لعامين و ثلاثة أشهر وأربعة عشر يوماً ابتداءً من يوم الإثنين 6 شعبان 726 هـ -إلى ليلة وفاته ليلة الإثنين 20 ذي القعدة 728 هـ " () وجعل الله -سبحانه وتعالى-له وللأمة خيراً كثيراً ولقد هدى الله عز وجل على يديه في السجن خلقاً كثيراً كما انتشر علمه من مصر إلى شمال أفريقيا والأندلس والأمر كما قال الله عز وجل: (فعسى أن تكرهوا شيئاً ويجعل الله فيه خيراً كثيراً) (2) وقال: (والله يعلم وأنتم لا تعلمون) (3)

المطلب الحادي عشر: عزوفه عن الزواج وسببه:

لقد حث الإسلام على الزواج ورغب فيه وحض عليه؛ ذلك أن الإسلام دين الفطرة كما قال سبحانه: (فطرت الله التي فطر الناس عليها) (4) فهو يدعو إلى الفطرة ويحافظ عليها وأكد عليها وسد كل باب وكل منفذ يخدش جانباً من جوانبها واستمراراً لهذه الفطرة حث النبي صلى الله عليه وسلم على الزواج ودعا إليه الشباب بقوله: "يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج" (5)؛ لأنه "أمر مركوز في الطبيعة الإنسانية يسعى الإنسان إليه بدافع الفطرة وهو شطر هام كبير من الحاجة الأصلية في هذه الحياة محقق لاكتمال الذات وإنشاء الذرية وبقاء النسل والنوع الإنساني وعمارة الكون ... ولما له أيضا ًمن آثار طيبة على سلوك الإنسان في طهره وعفافه وكمال دينه واستقرار نفسه وسلامة خواطره ... فلذا كان الزواج – إلى جانب أنه متعة مشروعة- أمراً أساسياً وحاجة أصلية من حاجات الإنسان في الحياة يصعب عليه التخلي عنها إلى لشوق غلاب محرق أو لتعلق شديد بعزيز غالٍ على النفس جداً يفوق تعلقها بالزواج ويزيد عليه تملكاً للقلب واستيلاءً على الخاطر: مثل طلب العلم في بعض العلماء والقيام بالجهاد عند بعض المجاهدين وتحصيل عليا الرغائب لدى ذوي النفوس الطماحة الشماء" (1) فهذه الأمور قد اجتمعت في الإمام بن تيمية مضافاً إليها دوره الدعوي والإصلاحي وتربية النشء ودوره الجهادي وتعرضه للحبس والترسيم وتنقله من مكان لآخر واغترابه عن الوطن والأهل مجاهداً وداعياً ومعتقلاً ومدافعاً عن المسلمين وديارهم وهذه الأمور الآنفة الذكر أو بعضها جعلت الإمام ابن تيمية وغيره من كبار العلماء من صالحي هذه الأمة يعزفون عن الزواج لا رغبة عنه ورهبنة بل تعتبر مثل "حالهم هذه – والله أعلم- أنها مسلك شخصي فردي اختاروه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير