تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

لأنفسهم مايزوا فيه ببصيرتهم الخاصة بين خير الزواج وخير العلم الذي يقومون به فرجح لديهم خير العلم على خير الزواج لهم فقدموا مطلوباً على مطلوب ولم يدعوا أحداً من الناس إلى الاقتداء بهم في هذا المسلك ولا قالوا للناس: التبتل للعلم أفضل من الزواج ولا ما نحن عليه أفضل مما أنتم عليه" (2) بل إنهم تركوا الزواج وهم عالمون بأحكامه وبما دلت عليه الشريعة ولهم من العلم ما يرقى بهم ويسمو عن أن يفعلوا شيئاً جاهلين بأحكامه وكيف يكون هذا؟! ولهم في مصنفاتهم كلام رصين متين موزون أبانوا فيه أحكامه الشرعية بل وتكلموا على سائر الموضوعات التي لها علاقة بالزواج سواء من قريب أو من بعيد بمعرفة فاحصة وعلم غزير وفهم ثاقب مستنير والإمام ابن تيمية له مصنف كامل كله فتاوٍ عن النكاح صفحاته 362 صفحة (3) كما أن له كلاماً كثيراً متناثراً في فتاواه في الأمور المتعلقة بالزواج من خطبة وعشرة وطلاق وخلع و ... في مواضع متعددة تدل على رسوخ قدمه في العلم ومدى تبحره في العلم وأنه إنما تركه اختياراً منه وإيثاراً للعلم والجهاد والدعوة والتربية والإصلاح، ومن راجع فتاواه (4) وجد علماً غزيراً واطلاعاً على سائر المذاهب الفقهية مع ذكر الأدلة والاحتجاج بها بما يزيدها بهاءً ومما يدل على ذلك قوله: "الامتناع من فعل المباحات مطلقاً كالذي يمتنع من أكل اللحم ... ويمتنع من نكاح النساء ويظن أن هذا من الزهد فهذا جاهل ضال من جنس زهاد النصارى قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا لا تحرموا طيبات ما أحل الله لكم ولا تعتدوا إن الله لا يحب المعتدين. وكلوا مما رزقكم الله حلالاً طيباً واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون) (1)، نزلت هذه الآية بسبب أن جماعة من الصحابة كانوا قد عزموا على ترك أكل الطيبات كاللحم ونحوه وترك النكاح وفي الصحيحين (2) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: "ما بال رجال يقول أحدهم: أما أنا فأصوم ولا أفطر ويقول الآخر: أما أنا فأقوم ولا أنام ويقول الآخر: أما أنا فلا آكل اللحم لكني أصوم وأفطر وأقوم وأنام وأتزوج النساء وآكل اللحم فمن رغب عن سنتي فليس مني" ... ومن حرم الطيبات التي أحلها الله من الطعام واللباس والنكاح وغير ذلك واعتقد أن ترك ذلك مطلقاً هو أفضل من فعله لمن يستعين به على طاعة الله كان معتدياً معاقباً على تحريمه ما أحل الله ورسوله وعلى تعبده لله تعالى بالرهبانية ورغبته عن سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم ما فرط فيه من الواجبات وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب" (3) وقد قرر العلماء أن مجرد الترك لا يستلزم التحريم: يقول الإمام الشاطبي: "والتارك لأمر لا يلزم أن يكون محرماً له: فكم من رجل ترك الطعام الفلاني أو النكاح؛ لأنه في [ذلك] الوقت لا يشتهيه أو لغير ذلك من الأعذار حتى إذا زال عذره تناول منه" (4) ثم ساق أدلة على ذلك ووضح أن الترك ليس للتحريم بل لشيء آخر مثل "أن يكون مجرد ترك لا لغرض بل لأن النفس تكرهه بطبعها أو لا تكرهه حتى تستعمله أو لا تجد ثمنه أو تشتغل بما هو آكل وما أشبه ذلك" (5) وأمر المفاضلة بين التخلي للعبادة أم النكاح إنما هو في المقام الأول يرجع إلى نفس الشخص، ومما لا شك فيه أن للزواج والأهل والأولاد تبعات وشغلاً عن غيرهم ولو أضيف إلى ذلك علم وجهاد ودعوة وإصلاح وتربية للمستفيدين ورعاية لهم وحبس واعتقال وترسيم وإبعاد عن الوطن والأهل والأصحاب مما يجعل هذا الأمر يتردد من شخص لآخر وجوباً أو استحباباً وكذلك هل فعله أفضل أم تركه؟ كما قال الإمام النووي: "أما الأفضل من النكاح وتركه فقال أصحابنا: [أي: الشافعية] الناس فيه أربعة أقسام: قسم تتوق إليه نفسه ويجد المؤن فيستحب له النكاح، وقسم لا تتوق ولا يجد المؤن فيكره له وقسم تتوق ولا يجد المؤن فيكره له مأمور بالصوم لدفع التوقان وقسم يجد المؤن ولا تتوق فمذهب الشافعي وجمهور أصحابنا أن ترك النكاح لهذا والتخلي للعبادة أفضل ولا يقال: النكاح مكروه بل تركه أفضل ومذهب أبي حنيفة وبعض أصحاب الشافعي وبعض أصحاب مالك: أن النكاح له أفضل ... [وقال] وأما قوله صلى الله عليه وسلم: (فمن رغب عن سنتي فليس مني) فمعناه: من رغب عنها إعراضاً عنها غير معتقد على ما هي والله وأعلم" (1) وعلى هذا "فالحكم على شخص واحد بأن الأفضل له النكاح أو العزوبة مطلقاً قصور عن الإحاطة بمجامع هذه

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير