تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الأمور [يعني: آفات النكاح أو فوائده] بل تتخذ هذه الفوائد والآفات معتبراً [أي: مقياساً] ومحكاً ويعرض المرء على نفسه: فإن انتفت في حقه الآفات واجتمعت الفوائد بأن كان له مال حلال وخُلُق حَسن وجِدٌّ في الدين تام لا يشغله النكاح عن الله تعالى وهو مع ذلك شاب محتاج إلى تسكين الشهوة ومنفرد يحتاج إلى تدبير المنزل و التحصن بالعشيرة فلا يمارى أن النكاح أفضل له مع ما فيه من السعي في تحصيل الولد فإن انتفت الفوائد واجتمعت الآفات فالعزوبة أفضل له" (2) ومما تقدم يتضح أن الإمام ابن تيمية ما ترك النكاح رغبة عنه ورهبة ومصادمة للفطرة أو تحريماً له بل عزوفه اختيارٌ منه؛ لأنه آثر غيره عليه من علم وجهاد ودعوة وإصلاح وتربية للمستفيدين على اختلاف منازلهم وعلومهم ورعايتهم يضاف إلى ذلك ما ابتلي به من حبس واعتقال واغتراب لذا ما كان عزوفه رغبة عنه؛ لأنه يعرف قدره ومنزلته في الشريعة وهو من أساطين العلماء الداعين إلى نشرها وتطبيقها وكانت حياته كلها مسخرة لنصرتها والذب عنها وإبراز مقاصدها ووجوب الاعتصام بها.

المطلب الثاني عشر: وفاته ورثاؤه:

وفاته: (1) توفي الإمام ابن تيمية في ليلة الإثنين العشرين من ذي القعدة سنة 728هـ بقلعة دمشق بالقاعة التي كان محبوساً بها وحضر جمع كثير إلى القلعة وأُذن لهم في الدخول عليه ثم انصرفوا واقتصر الجلوس على من يغسله أو يساعد على تغسيله وكانوا جماعة من أكابر الصالحين وأهل العلم كالمِزِّيِّ وغيره وما فُرغ من تغسيله حتى امتلأت القلعة وما حولها واجتمع الخلق بالقلعة والطريق إلى الجامع ولما سمع الناس بموته لم يبق في دمشق من يستطيع المجيء للصلاة عليه وأراده إلا حضر لذلك وضج الناس بالبكاء والثناء والترحم وأُخرج الشيخ إلى جامع بني أمية ظناً أنه يسع الناس فصُلِّي عليه في الجامع وبقي كثير من الناس خارج الجامع ثم حُمل على أيدي الكبراء والأشراف ومن حصل له ذلك من جميع الناس ووضع بأرض فسيحة متسعة الأطراف وصلى عليه الناس وأخرج النعش واشتد الزحام وعلت الأصوات بالبكاء والنحيب والترحم عليه والثناء والدعاء له وصار النعش على الرؤوس تارة يتقدم وتارة يتأخر وتارة يقف حتى يمر الناس وصرخ صارخ: هكذا تكون جنائز أئمة السنة فبكى الناس بكاءً كثيراً ووضعت الجنازة فدفن في مقبرة الصوفية وكان دفنه قبل العصر بيسير وحرز من حضر من النساء بـ (15) ألفاً والرجال ما بين (60 – 200) ألف ولم ير لجنازة أحد ما رؤي لجنازته من الوقار والهيبة والعظمة والجلالة وتعظيم الناس لها وتوقيرهم إياها وتفخيمهم أمر صاحبها وثنائهم عليه إلا ما كان للإمام أحمد بن حنبل لما كان عليه من العلم والعمل و الزهادة والعبادة والإعراض عن الدنيا والاشتغال بالآخرة وكانت وفاته قد ابتدأت بمرض يسير.

ولقد فاضت روح هذا الإمام إلى بارئها وهو على حاله مجاهداً في ذات الله تعالى صابراً محتسباً لم يجبن ولم يهلع ولم يضعف ولم يتتعتع بل كان إلى حين وفاته مشتغلاً بالله عن جميع ما سواه وإن من حسن الختام لهذا الإمام أن يموت بعد انتهائه من قراءة قوله تعالى: (إن المتقين في جنات ونهر. في مقعد صدق عن مليك مقتدر) (1)

وأما رثاؤه: فموت الإمام ابن تيمية جعل كثيراً من الفضلاء والعلماء يَرْثُوهُ بقصائد متعددة وإنما قيلت هذه القصائد في حق الشيخ من قبل قائليها "لما وجب للشيخ رضي الله عنه عليهم من الحق في إرشادهم إلى الحق والمنهج المستقيم بالأدلة الواضحة الجلية النقلية والعقلية خصوصاً في أصول الدين" (2) ولقد قال الإمام ابن فضل الله العمري (3) "رثاه جماعات من الناس بالشام ومصر والعراق والحجاز والعرب من آل فضل" (4) بِمَراثٍ كثيرة نثراً ونظماً وقد قال الإمام ابن حجر العسقلاني: "ورثاه شهاب الدين ابن فضل الله بقصيدة رائية مليحة .. ورثاه زين الدين ابن الوردي بقصيدة لطيفة طائية" (5) أما قصيدة الإمام ابن فضل الله العمري فمنها (6)

أهكذا في الدياجي يحجب القمر

أهكذا بتقي الدين قد عبثت

طريقه كان يمشي قبل مشيته

مثل الأئمة قد أحيا زمانهم

مثل ابن تيمية في السجن معتقل

في يوسف في دخول السجن منقبة

يا ليت شعري هل في الحاسدين له

هل فيهمو صادع للحق مقولة

قدمت لله ما قدمت من عمل

وكيف تحذر من شيء تزل به

ويحبس النوء حتى يذهب المطرُ

أيدي العدى وتعدى نحوه الضررُ

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير