تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وبتدهور تلك النواحي مؤشر إلى انهيار الأمة؛ لأن الأمة لها عمر كعمر المخلوقات صغر ثم استقرار ونمو ثم ضعف فكان ظهور ذلك الإمام في تلك الأزمة منحة من الخالق سبحانه وتعالى حتى يجدد لهذه الأمة أمرها ويكون ذلك إيذاناً بظهور فجر جديد يأتي على ظلام الباطل فيدمغه فإذا هو زاهق، وكون هذا الإمام ظهر وأنه أحيا القلوب وجاهد في سبيل إعلاء كلمة الحق باللسان والسنان والبنان إنما كان ذلك يرجع إلى عدة عوامل جعلته عبقرياً سواء من إخلاصه في طلب الحق وتبليغه وأنه لا يبغي من ذلك شيئاً سوى مرضاة الله سبحانه وكذلك التجرد في الدعوة والجهاد والإصلاح له دور هام في تكوين تلك الشخصية الفذة والتي أمدها الله سبحانه بحافظة واعية حديدية تعينه في الأوقات الحرجة مع سرعة الاستحضار مما جعلته يتميز عن علماء عصره بحيث إن وصفه بالعبقرية ليس جزافاً بل بما آتاه الله من عمق في التأمل وحضور بديهة مع الاستقلال الفكري إضافة إلى ما جُبل عليه من فصاحة اللسان وقدرته البيانية مع الشجاعة المعنوية والحسية مما تجعل له هيبة في صدور الأصدقاء والأعداء أما الأصدقاء فالإجلال والإكرام وأما الأعداء فالخوف والرهبة عند اللقاء هذا وإن دورانه مع الدليل حيث دار وأنه متمسك بالوحَْييْن: الكتاب والسنة جعله كالشامة بين علماء عصره حيث إن أسرته كانت أسرة علم وحديث وأثر مع ما أحاط به من جميل الرعاية من البيئة التي نشأ فيها خصوصاً وأن هذه الأسرة معروفة بالعلم وتوارث الأبناء من الآباء تلك الخصوصية مما جعله متبحراً في العلوم النقلية والعقلية وهي من مستلزمات العبقرية وإلا فبعض العلماء بارعون في قسم معين: إما دين وإما دنيا لكن الجمع بينهما بإتقان مع الرد على أساطين هؤلاء المارقين عن الشريعة بالنقل والعقل ومن نفس كتبهم يلمع من أمر عبقرية هذا الإمام ومن تلك العوامل التي كونت عبقريته جده وحزمه مع النفس منذ الصغر حتى نال ما تمنى وهو مع ذلك ملازم على أوراد وأذكار تجعله في أعلى مراتب العبودية والتي لها أكبر الأثر في نبوغه وألمعيته وعبقريته.

ثم تطرق الباحث إلى الكلام على حياة ذلك الإمام العبقري من خلال التعريف به: اسماً ولقباً وكنيةً مع الإشارة إلى سنة ولادته وإشارة إلى حال أسرته وبيئته ثم التعريج على ذكر شيوخه وتلاميذه وكذلك ذكر وصفه وبعض سجاياه والتمثيل لبعض أقواله ثم الكلام على توليه التدريس وأنه جدير بهذا المنصب؛ لما ظهر عليه من نجابة منذ صغره ثم الكلام على ربطه بين العلم والجهاد والإصلاح وتوضيح ذلك داخلياً وخارجياً مع ذكر سبب المحن والسجون التي تعرض لها عموماً.

وإمام كهذا الإمام له مكانة علمية عظيمة لما له من علم وجهاد وعبادة وصلاح وإصلاح ومن حاله دائم الاطلاع والتعليم والجهاد والتعرض للحبس أو الترسيم جدير به أن يعزف عن الزواج لا إعراضاً عنه بل اختياراً لتفضيله غيره عليه وهو مسلك شخصي لفاعله حيث إنه لم يدع أحداً لفعله بل هو أمر ترجح لديه وهذا الأمر كما قال الأئمة يختلف من شخص إلى شخص ويختم الباحث المطاف في الفصل الأول بذكر وفاة ذلك الإمام وحسن ختامه وهو يقرأ ويختم القرآن عند آخر آية من سورة القمر لدليلٌ على صدق ذلك الإمام في دعوته – نحسبه كذلك ولا نزكي على الله أحداً- وقد رثاه كثير من العلماء سواء المعاصرون له أم الآتون بعده مما يدل على علو منزلته وسمو قدره.

رأي الباحث

إنه مما لاشك فيه أن الإنسان هو ابن بيئته، يتأثر بما حوله سلباً أو إيجاباً والإمام ابن تيمية قد كانت نشأته في ظروف سياسية متدهورة حتى إنه أدرك منذ صغره ظلم الطغاة من التتر ورأى ظلمهم وعايش معاناة أهله وأسرته وهروبهم إلى الشام ثم أدرك وهو في عنفوان قوته ورجولته اعتداء النصارى وما آل إليه حال المسلمين في ذلك الوقت وكذلك رأى تفكك الروابط الاجتماعية وانهيار الأخلاق بين الأفراد مما يدل على فساد الحالة الاجتماعية وما تبعها من قصور في الناحية الفكرية واقتصار العلماء على ترديد كلام المتقدمين والتوسع في الفهارس والحواشي مما أضعف الناحية العلمية لديهم كل ذلك تكون في فكره وحاول إصلاحه بالسنان والبنان واللسان وكان ذلك جلياً من دعوته إلى الرجوع إلى المنبع الصافي والمعين العذب: الكتاب والسنة.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير