تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فكانت هذه الأشياء دافعاً لظهور ذلك المجدد المصلح العملاق والذي ظهرت عليه أمارات العبقرية والألمعية والذكاء منذ صغره نظراً لما وهبه الله سبحانه وتعالى من سمات إضافة إلى دور أسرته وبيئته ثم إكماله للدراسة بنفسه كل ذلك جعله جديراً بأن يكون إماماً يقود الأمة ويصلحها في وقته ثم بما تركه من تراث تمثل في علمه وسيرته وترجمته واقتفاء كثير من المصلحين والمجددين به حتى صار علماً لا يحتاج إلى إيضاح إلا قول: ابن تيمية فيدل على سمو قدره وغزارة علمه وسعة إطلاعه مع العبادة والزهد فكان حقيقاً بأن يشار إليه بالإجلال والإكرام عبر العصور.

الفصل الثاني

علم الإمام ابن تيمية

الكلام على علم الإمام ابن تيمية هو كلام على تراث متحرك ومكتبة إسلامية متنقلة احتوت مواضيع شتى مع أمانة في النقل وقوة في الفهم مع استيعاب ذلك كله ببصيرة واعية وهو مع هذا مقدم للنصوص الشرعية على غيرها طارحاً أقوال من خالف –ممن يتعمد المخالفة- كائناً من كان وهو في نقله متثبت في كل ما ينقله مع سعة الاستنباط والاستدلال والاستشهاد بما نقل عن سلف هذه الأمة حيث إنه ينظر بعين بصيرته الفاحصة إلى النصوص واضعاً مقاصد الشريعة نصب عينيه من الإنصاف للمخالف سواء كانوا أحزاباً أم أفراداً إضافة إلى ذلك فقد "أجمع الذين عاصروه على قوة فكره وسعة علمه وأنه بعيد المدى عميق الفكرة يستوي في ذلك الأولياء والأعداء ... فالجميع إذن مقراً بقوة عقله وعلمه يستوي في ذلك العدو والولي وما بين هؤلاء وهؤلاء ولكن موضع الخلاف بين الأعداء والأولياء هو في الموافقة على الرأي الذي كان ينادي به لا في قدر المنادي وقوته في العلم والفكر" (1) إذن فالناس نحوه قسمان: قسم اقتنع بآرائه ونصرها وعمل على نشرها لموافقتهم له وقسم آخر أقر بعلمه وبقدره لكن خالفه في مسائل فرعية وأصلية وعرف عنهم أنهم مخالفون له مع الإجلال والإكبار لمنزلته وعلى رأس هؤلاء إمامان معاصران له: أحدهما تلميذه الإمام شمس الدين الذهبي والذي أشار إلى مخالفته لشيخه مع الإجلال له بقوله: "كان يقضي منه العجب إذا ذكر مسألة من مسائل الخلاف واستدل ورجح وكان يحق له الاجتهاد؛ لاجتماع شروطه فيه ... وكان آية من آيات الله في التفسير والتوسع فيه وأما أصول الديانة ومعرفة أقوال المخالفين فكان لا يشق غباره .. وكان قوالاً بالحق لا يأخذه في الله لومة لائم ... ولم أر مثله في ابتهاله واستغاثته وكثرة توجهه وأنا لا أعتقد فيه عصمة بل أنا مخالف له في مسائل أصلية وفرعية" (2) والآخر هو الإمام تقي الدين السبكي حيث رد على الإمام ابن تيمية في غير ما مسألة وعرفت عنه المخالفة له مع الإجلال لقدره وهذا يسفر عن مدى سعة علم ذلك الإمام وتبحره في العلوم العقلية والنقلية.

أما الذين هضموا حقه و"غضوا قدره كعالم جليل فليس ذلك من صميم قلوبهم إن كانوا عالمين بل من الهوى الذي يغلب الفكر والعقل وليس هذا شأن علماء الدين أما الجاهلون فلا عبرة بقولهم أَنْ أيدوا أو خالفوا فقولهم لم يدخل في الحسبان" (1) فالعالم عنده من العلم ما يميز به بين قول من يتكلم بلغة أهل العلم ممن يتكلم خبط عشواء، وكذلك لما بين العلماء من وشيجة قوية تربطهم كلهم بعضهم بعضاً.

المبحث الأول: مؤلفاته المتعددة والمتنوعة:

إن المستقرئ لمؤلفات علماء الإسلام يجد أن هناك ثلاثة من أفذاذ هذه الأمة وأساطين علمائها قد أكثروا من التأليف وهم: الإمام ابن الجوزي (2) والإمام ابن تيمية والإمام السيوطي.

وقد تميزت مؤلفات الإمام ابن تيمية بأمور منها:

1 - كثرة الاستدلال والاستشهاد بالآيات والأحاديث وأقوال السلف في المسألة الواحدة مع كثرة الفوائد المستنبطة من تلك المسألة.

2 - كثرة التقعيد والتأصيل لأصول الدين وفروعه مع الإبداع والابتكار والإقناع والإمتاع.

3 - الإكثار من ذكر مقاصد الشريعة وبيان فضائلها.

4 - ردوده إما إجابة لمستفيد أو نقداً وإلجاماً لطاعن مريد.

5 - نصر عقيدة السلف الصالح سواء كان تأصيلاً وتقعيداً لذلك أم رداً على المبطلين من كافرين أو مبتدعين أو مقلدين جامدين.

6 - قدرته الفائقة في إبطال أقوال الخصوم وحججهم من نفس أدلتهم.

7 - "الوضوح، فإنها واضحة مشرقة نيرة لا تعقيد فيها ولا إبهام". (3)

8 - "إشراق الديباجة وطلاوة العبارة وسلامة المنهاج العربي وعمق التفكير" (4)

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير