3 - بيانه أنهم وقعوا في غلو وتقصير فيما يجب لله تعالى من حقوق وصفات، بل وأن غلاتهم اقتبسوا آراءهم وأفكارهم من أديان ومذاهب باطلة.
4 - بيان حيرتهم في أصل المسائل وأعظمها –لديهم- وهي "الإمامة" فهم، مختلفون ومتحيرون في سوقها وخاصة بعد جعفر الصادق.
5 - بيان اختلافهم الشديد وتفرقهم في أصول المسائل حتى أصبحوا –كما يذكر- ما بين معتزلة وعيدية أو تفضيلية، وإخبارية: مشبهة أو سلفية. ثم قال عقب ذلك: "ومن ضل في الطريق وتاه، لم يبال الله في أي واد أهلكه".
هذا ما يتعلق بالإمامية، أما سائر فرق الشيعة الأخرى، فهي لا تقل عما ذكره عن الإمامية، إذ إن عباراته قاسية، وأوصافه لبعضهم جارحة، بل نص على أن تشويش الدين، وفتنة الناس مقصورة على الباطنية منهم، كما في قوله "لقد كان في كل أمة من الأمم قوم مثل الإباحية والزنادقة، والقرامطة، كان تشويش ذلك الدين منهم، وفتنة الناس مقصورة عليهم"، وذكر أن من ألقاب الإسماعيلية: الباطنية، والقرامطة والمزدكية.
وقد بيّن المؤلف في كتابه الملل بطلان عقائد الباطنية وانتقد آراءها، وذكر أنها تخالف الاثنتين والسبعين فرقة.
-كلام المؤلف في الصحابة رضي الله عنهم:
تقدم بعض أقوال المؤلف التي تبين أنه أنكر على الشيعة موقفهم من الصحابة من الطعن فيهم، والقدح في عدالتهم. واستنكر أن يستجيز ذو دين الطعن فيهم، ونسبة الكفر إليهم، ورد على ما أثاروه من شبهات نحوهم، وبين أنها افتراءات وترهات لا يصلح أن تُشحن بها الكتب، أو يجري بها القلم، حيث قال: "واعلم أنه لا شبه في المسألة إلا ما ذكرناه. وما تذكره الإمامية من سوء القول في الصحابة -رضي الله عنهم- وافتراء الأحاديث على الرسول، فكل ذلك ترهات لا يصلح أن تشحن بها الكتب، أو يجري بها القلم"، بل ذكر أن ما روي عن الصحابة مما يقدح في عدالتهم، ويطعن فيهم؛ إنما هو كذب وافتراء عليهم، من قبل الرافضة، ونبّه القارئ إلى تدبر النقل والتأكد في ذلك.
-كلام المؤلف في القرآن الكريم:
تحدث المؤلف في كتابه نهاية الإقدام عن القرآن وذكر أنه الدليل على صدق النبي صلى الله عليه وسلم. وبين إعجازه سواء من حيث لفظه أو معناه، فمن حيث اللفظ: بلاغته، ونظمه، وفصاحته، والتحدي بالإتيان بمثله بل بسورة من مثله. ومن حيث المعنى: فما اشتمل عليه القرآن من غرائب الحكم، وبدائع المعاني، دليل على إعجازه. ومع توسعه في الحديث عن القرآن فلم يتضمن أي إشارة مما ذكره في التفسير عن مصحف علي أو ما أثير حول جمع القرآن مما يقدح فيه، ونحو ذلك ".
ثم قال (ص 123 - 124):
" الخلاصة: وأخيراً بعد دراسة ما يتعلق بالتهمة الموجهة إلى المؤلف من الميل إلى الباطنية من كلا الجانبين –أي ما يؤيدها أو يعارضها- نخلص من ذلك بالقول:
إن حال المؤلف تجاه ما ذكره لا يخلو من:
1 - وجود التناقض والاضطراب في مواقفه وآرائه، وعدم استقراره على مذهب أو رأي معين؛ فيذكر في كتاب ما يناقض ما ذكره في كتاب آخر، ونحو ذلك. وهذه سمة معظم المتكلمين والمتفلسفين.
2 - أن ما كتبه المؤلف في التفسير لم يكن عن اعتقاد وتصديق وإنما مداهنة وتزلفاً للرافضة، ولعله لأحد كبارهم وهو نقيب ترمذ الذي أهدى له كتابه الملل والنحل –كما سبق بيانه- وهذا الوجه أشار إليه شيخ الإسلام –رحمه الله تعالى- بقوله: "وبالجملة فالشهرستاني يظهر الميل إلى الشيعة، إما بباطنه، وإما مداهنة لهم، فإن هذا الكتاب –كتاب الملل والنحل- صنف لرئيس من رؤسائهم، وكانت له ولاية ديوانية، وكان للشهرستاني مقصود في استعطافه له. وكذلك صنف له كتاب "المصارعة" بينه وبين ابن سينا لميله إلى التشيع والفلسفة، وأحسن أحواله أن يكون من الشيعة، إن لم يكن من الإسماعيلية، أعني المصنف له، ولهذا تحامل فيه للشيعة تحاملاً بيناً ... ".
3 - رجوع المؤلف واستقراره على أحد المذهبين. ولا يمكن معرفة أي المذهبين إلا بمعرفة المتأخر من الكتب. وكما سبق فكتاب الملل لا إشكال فيه، فهو متقدم تأليفاً على كتابي: "نهاية الإقدام"، و"مفاتيح الأسرار"، بدليل الإحالة عليه في كلا الكتابين.
أما التفسير ونهاية الإقدام فلم أطلع على ما يدل على المتقدم منهما، ولذا لا يمكن الجزم في هذا الأمر.
إلا أنه قد يلتمس بعض أوجه الاحتمالات التي قد تدل على تأخير كتاب "نهاية الإقدام" عن كتاب "مفاتيح الأسرار" تأليفاً. ومن تلك الأوجه:
أ -أن المؤلف في أول كتاب نهاية الإقدام –كما تقدم - أنشد:
لقد طفت في تلك المعاهد كلها
وسيرت طرفي بين تلك المعالم
فلم أر إلا واضعاً كف حائر
على ذقن أو قارعاً سن نادم
فالبيتان تضمنا ما يدل على تطوفه على المعاهد كلها، وندمه على ما مضى من عمره، ولعل من جملة تلك المعاهد التي طاف بها "الباطنية" التي كان لها أثر ظاهر في بعض كتبه؛ كالتفسير.
ب - أن المؤلف كان مقرباً لدى نقيب ترمذ –وهو رافضي- الذي ألف له كتابي الملل والمصارعة. ولا يستبعد أن يتبع الكتابين بكتاب مفاتيح الأسرار سواء كان ببادرة منه، أو بطلب من ذلك النقيب.
أما نهاية الإقدام، فقد كتبه بعد بُعده عن ذلك النقيب، في آخر عمره بعد تطوافه بالمعاهد كلها وإعلان حيرته وندمه على ما سلف من عمره.
هذه هي الأوجه المحتملة لحال المؤلف، ولا يمكن القطع بأحدها والأخذ به؛ إذ لا دليل على ذلك -فيما أعلم- إلا أن الاحتمال الثالث هو أقوى الاحتمالات وأرجحها - فيما ظهر لي- لما تقدم بيانه والله أعلم ".
¥