ومن العجيب في هذا أن الأشاعرة أنكروا التعليل في أبواب التوحيد والإيمان ولما جاءوا إلى أصول الفقه أثبتوه في باب القياس والمصلحة ونحوهما وقد ذكر هذا ابن تيمية _ رحمه الله _ حيث يقول: (إذا خاضوا في الشرع احتاجوا أن يسلكوا مسالك أئمة الدين في إثبات محاسن الشريعة، وما فيها من الأمر بمصالح العباد، وما ينفعهم من النهي عن مفاسدهم وما يضرهم .. ) مجموع الفتاوى (17/ 177)
وقال أيضا: (وأمَّا تعليل أفعال الله وأحكامه بالحكمة ففيه قولان مشهوران، والغالب عليهم عند الكلام في الفقه وغيره التعليل، وأما في الأصول فمنهم من يصرح بالتعليل ومنهم من يأباه) منهاج السنة النبوية (1/ 455)
ويقول الشاطبي _ رحمه الله _: (وزعم الرازي أن أحكام الله ليست معللة بعلة ألبته، كما أن أفعاله كذلك ... ، ولما اضطر في علم أصول الفقه إلى إثبات العلل للأحكام الشرعية أثبت ذلك) الموافقات (2/ 322)
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: (تنازعوا في مسألتين:
إحداهما أن العباد هل يعلمون بعقولهم حسن بعض الأفعال ويعلمون أن الله متصف بفعله ويعلمون قبح بعض الأفعال ويعلمون أن الله منزه عنه على قولين معروفين:
أحدهما أن العقل لا يعلم به حسن فعل ولا قبحه أما في خلق الله فلأن القبيح منه ممتنع لذاته وأما في حق العباد فلأن الحسن والقبح لا يثبت إلا بالشرع وهذا قول الأشعري وأتباعه وكثير من الفقهاء من أصحاب مالك والشافعي وأحمد ....
والقول الثاني أن العقل قد يعلم به حسن كثير من الأفعال وقبحها في حق الله وحق عباده وهذا مع أنه قول المعتزلة فهو قول الكرامية وغيرهم من الطوائف وهو قول جمهور الحنفية وكثير من أصحاب مالك والشافعي وأحمد كأبي بكر الأبهري وغيره من أصحاب ماللك وأبي الحسن التميمي وأبي الخطاب الكلوذاني من أصحاب أحمد وذكر أن هذا القول قول أكثر أهل العلم وهو قول أبي علي بن أبي هريرة وأبي بكر القفال وغيرهما من أصحاب الشافعي وهو قول طوائف من أئمة أهل الحديث
وعدو القول الأول من أقوال أهل البدع كما ذكر ذلك أبو نصر السجزى في رسالته المعروفة في السنة وذكره صاحبه أبو القاسم سعد بن علي الزنجاني في شرح قصيدته المعروفة في السنة ... ) منهاج السنة النبوية (1/ 450)
واما المسائل الأصولية التي بنيت على هذا الأصل فكثيرة مشهورة.
وأما التمثيل بشرب الخمر فليس شرب الخمر منافراً للطبع بل هو محبوب عند كثير من الخلق وكان أهل الجاهلية يستلذونه ويتمتعون به بل وكثير ممن يشرب الخمر إلى الآن يتلذذ به وقد جعل الخمر من شراب أهل الجنة.
وأما كونه نقصاً فهذا إنما علم بعد معرفة آثاره ومفاسده التي علم عقلاً قبحها من زوال العقل وتصرف السكران بما يضره وما لا يفعله حال صحوه ولذلك استقبحها العقلاء قبل الإسلام فهناك من لم يشرب الخمر حتى قبل الإسلام، كما أن النقص أيضاً علم من جهة الشرع.
وهنا تنبيه لا بد من معرفته وهو أن أهل السنة لا يريدون بقولهم إن العقل يحسن ويقبح أنه يحسن ويقبح كل شيء كما أنهم لا يقولون إن العقل فقط هو الذي يحسن ويقبح وأن الشرع لا يحسن ولا يقبح بل عندهم التحسين والتقبيح يعلم من جهة العقل والشرع لكن لما كان الشرع متفقاً عليه بين الجميع في كونه يحسن ويقبح انصب الخلاف على تحسين وتقبيح العقل فالمعتزلة يرون أن العقل يستقل بمعرفة الحسن والقبح في كل شيء ولا يحتاج إلى تحسين وتقبيح الشرع وبالعكس قول الأشاعرة يرون أن التحسين والتقبيح شرعي فقط والعقل لادور له في ذلك وأهل السنة وسط بينهما كما سبق.
ـ[توبة]ــــــــ[08 - 06 - 07, 01:55 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
ومن العجيب في هذا أن الأشاعرة أنكروا التعليل في أبواب التوحيد والإيمان ولما جاءوا إلى أصول الفقه أثبتوه في باب القياس والمصلحة ونحوهما وقد ذكر هذا ابن تيمية _ رحمه الله _ حيث يقول: (إذا خاضوا في الشرع احتاجوا أن يسلكوا مسالك أئمة الدين في إثبات محاسن الشريعة، وما فيها من الأمر بمصالح العباد، وما ينفعهم من النهي عن مفاسدهم وما يضرهم .. ) مجموع الفتاوى (17/ 177)
قد تبادر إلى ذهني أول ما قرأت موقف الأشاعرة من التحسين والتقبيح العقلي قولهم بحجية المصالح المرسلة فعجبت للتناقض الصارخ إذ على حد علمي أن الأخيرة تكون بالإستنباط او الإستدلال العقلي والذي لا يخلو من تحسين وتقبيح ثم تراجعت و قلت ربما حصل تقصير فهم مني.
ـ[ابو حمزة الشمالي]ــــــــ[08 - 06 - 07, 07:22 م]ـ
أحسنت بارك الله فيك ونفع بعلمك و زادك من فضله
ـ[خزانة الأدب]ــــــــ[08 - 06 - 07, 07:49 م]ـ
الأخ أبا حازم وفقه الله
لم أجد لهذه المسألة العظيمة ـ عند أصحاب المدارس العقلية ـ أي ثمرة إلا أنها تمكّنهم من التشريع لرب العالمين جلّ جلاله، ليقرّروا بعقولهم ما يجب عليه وما يستحسن منه وما يمتنع عليه.
فأرجو النظر في الأمر من هذه الزاوية، بارك الله فيكم.
¥