تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فهل بعد هذا يحق لك أن تطعن في علم من علماء الإسلام من غير تثبت ولا برهان إلا قوله: " بلغني "، وسبب ذلك العجلة، والنظرة السوداوية للأمور، والجهل بحال ذلك العالم، والتعصب المذهبي أو العقدي ما يجعله يطير بالأمر الذي سمعه أو قرأه كل مطار على أنه خطأ شنيع وجرم فظيع. وكأن هذا المتسرع في النقل ما سمع قوله تعالى: (ياأيها الذين ءامنوا إن جاءكم فاسق بنبإ فتبينوا أن تصيبوا قوماً بجهالة فتصبحوا على مافعلتم نادمين) [الحجرات: 6] وكأنه لا يدري ـ أيضاً ـ أن حرمة المسلم أعظم من حرمة الكعبة. لكن هكذا حب الظهور، وما يدري أن حب الظهور يقصم الظهور.

* محمد بن طاهر، أبو الفضل بن أبي الحسين بن القيسراني، المقدسي الأثري، الظاهري.

قال إسماعيل بن محمد الحافظ: أحفظ من رأيت محمد بن طاهر.

وقال أبو زكريا يحيى بن منده: كان ابن طاهر أحد الحفاظ، حسن الاعتقاد، جميل الطريقة، صدوفاً، عالماً بالصحيح والسقيم، كثير التصانيف، لا زماً للأثر.

وقال أبو معمر الأنصاري: كان حافظاً متقناً.

وقال عبدالله بن محمد الأنصاري الهروي: ينبغي لصاحب الحديث أن يكون سريع القراءة سريع النسخ، سريع المشي. وقد جمع الله هذه الخصال في هذا الشاب، وأشار إلى محمد بن طاهر وكان بين يديه.

وقال شيرويه في تاريخ همذان: ابن طاهر سكن همذان وبنى داراً، وكان ثقة حافظاً، عالماً بالصحيح والسقيم، حسن المعرفة بالرجال والمتون، كثير التصانيف جيد الخط، لا زماً للأثر بعيداً من الفضول والتعصب، خفيف الروح، قوي السير في السفر، كثير الحج والعمرة.

وقال ابن ناصر الدين: كان حافظاً جوالاً في البلاد، كثير الكتابة، جيد المعرفة، ثقة في نفسه، حسن الاعتقاد، ولولا ماذهب إليه من إباحة السماع، لا نعقد على ثقته الإجماع.

وقال اليافعي: كان من المشهورين بالحفظ والمعرفة بعلوم الحديث، وله في ذلك مصنفات وجموعات تدل على غزارة علمه، وجودة معرفته ...

وقال أبو جعفر الساوي: كنت بالمدينة مع ابن طاهر، فقال: لا أعلم أحد أعلم بنسب هذا السيد ـ وأشار إلى قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم ـ وآثاره وأحواله مني.

قال مبارك: التهم التي وجهها العلماء إليه، والدفاع عنها:

1ـ السماع.

قلت: وهذا لا يوجب غمزه إذا اعتقد حله باجتهاد، وبيان ذلك أن اسلافنا ـ رضوان الله عليهم ـ اختلفوا في مسألة الغناء والمعازف. فالبعض ير التحريم وهم الأكثر، والبعض ير الجواز وهم الأقل عن اجنهاد منهم. فما كان مختلفاً فيه في ذلك الزمان فلا يجوز إسقاط الاحتجاج به؛ لأنه خالف اجتهاد الآخرين ولو كان مخطئاً في مخالفته.

2ـ جواز النظر إلى المردان.

وقد دافع الإمام الذهبي عن ابن طاهر فقال:

قولهم: " كان يذهب مذهب الإباحة " يعني في النظر إلى الملاح ـ ومعلوم جوازه عند الظاهرية، وهو منهم ـ وإلا فلو كان يذهب إلى إباحة مطلقة، لكان كافراً.

والرجل مسلم، متبع للأثر سني، وإن كان قد خالف في أمور مثل جواز السماع.

3ـ تأليفه كتاب " صفوة التصوف ".

قال الحافظ ابن حجر: له انحراف عن السنة إلى تصوف غير مرضي، وهو في نفسه صدوق لم يتهم، وله حفظ ورحلة واسعة.

وقال السمعاني: بعد ذكر هذه التهم: لعله قد تاب ...

وأختم كلامي هذا بما قاله الإمام الذهبي في حق علماء الظاهر: وفي الجملة، فداود بن علي بصيرٌ بالفقه، عالمٌ بالقرآن، حافظٌ للأثر، رأس في معرفة الخلاف، من أوعية العلم، له ذكاء خارق، وفيه دينٌ متينٌ. وكذلك في فقهاء الظاهرية جماعة لهم علمٌ باهرٌ، وذكاء قويٌ، فالكمال عزيزٌ.

ـ[مبارك]ــــــــ[11 - 07 - 04, 01:15 ص]ـ

* قولك: " فمن ابن داود الظاهري الذي رمى الإمام السني ابن جرير الطبري بالعظائم والرفض "، فيه نظر؛ لأنك لم تشر إلى المصدر الذي نقلته منه، ولم تبين لنا صحة السند إلى الإمام محمد بن داود، ومثل هذا النقل المرسل على عواهنه لا يلتفت إليه؛ مع أنهم ذكروا في ترجمة الإمام الفقيه محمد بن داود أن من تصانيفه كتاب " الانتصار على محمد بن جرير "، غير أنهم لم يذكروا عنه أنه طعن في الإمام العظيم ابن جرير بالعظائم والرفض، ولعل الأمر قد اشتبه عليك بين إمام أهل الظاهر ابن داود وبين إمام الحنابلة ابن أبي داود وهو أبو بكر عبدالله بن سليمان الأشعث السجستاني وقد وقع بينه وبين ابن جرير خصومة. فقد جاء في " سير أعلام النبلاء " (14/ 277) مانصه: قيل لا بن جرير: إن أبا بكر بن أبي داود يُملي في مناقب علي. فقال: تكبيرة من حارس. وقد وقع بين ابن جرير وبين ابن أبي داود، وكان كل منهما لا يُنْصِفُ الآخر، وكانت الحنابلة حزب أبي بكر بن أبي داود، فكثروا وشغبوا على ابن جرير، وناله أذًى، ولزم بيته، نعوذُ بالله من الهوى.

من أجل ذلك قال الإمام الكبير ابن خزيمة ـ رحمه الله ـ: ما أعلم على أديم الأرض أعلم من محمد بن جرير، ولقد ظلمته الحنابلة.

قال مبارك: لهذا وذاك انصحك بالتثبت والتأني وعدم التسرع في الكتابة، وعدم الخوض فيما لا يعنيك، وأذكرك بقوله تعالى: (والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير مااكتسبوا فقد احتملوا بهتاناً وإثماً مبينا)، وبقوله ـ عليه السلام ـ: " ومن قال في مؤمن ماليس فيه أسكنه الله ردغة الخبال حتى يخرج مما قال ".

وأذكرك بقوله ـ صلى الله عليه وسلم ـ: " لا تسبوا الأموات، فإنهم قد أفضوا إلى ما قدموا ".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير