تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" واما اطلاق لفظ الصفات لله تعالى عز وجل فمحال لا يجوز؛ لأن الله تعالى لم ينص قط في كلامه المنزل على لفظ الصفات ولا على لفظ الصفة، ولا حفظ عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن لله تعالى صفة أو صفات. نعم ولا جاء قط ذلك عن أحد من الصحابة رضي الله عنهم ولا عن أحد من خيار التابعين، ولا عن أحد من خيار تابعي التابعين، ومن كان هكذا فلا يحل لأحد أن ينطق به ولو قلنا أن الإجماع قد تيقن على ترك هذه اللفظة لصدقنا؛ فلا يجوز القول بلفظ الصفات ولا اعتقاده، بل هي بدعة منكرة، قال الله تعالى: (إن هي إلا أسماء سميتموها أنتم واباؤكم ما أنزل الله بها من سلطان إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الانفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى) ".

بينما انظر إليه وهو يقول ما يخالف ذلك في كتابه الماتع " مداواة النفوس " (67):

" وقف العلم عند الجهل بصفات الباري عزَّ وجلَّ ".

واصرح من ذلك ماقاله في كتابه " الأصول والفروع " (197 ـ 198) في اثناء رده على الجهمية القائلين بخلق القرآن:

" وكلام الله تعالى صفة قديمة من صفاته، ولا توجد صفاته إلا به ولا تبين منه ... وكلام الله لا ينفد ولا ينقطع أبداً؛ لأن كلامه صفة من صفاته تعالى لا تنفد ولا تنقطع ولا تفارق ذاته والله عز وجل لم يزل متكلماً ليس لكلامه أول ولا آخر كما ليس لذاته لا أول ولا آخر وجميع صفاته مثل ذاته وقدرته وعلمه وكلامه ونفسه ووجهه مما وصف به نفسه في كتابه العزيز كل هذه الصفات غير مباينة منه تعالى ولا متجزئة ولا نافدة ولا منقطعة ".

بعد هذا أقول: مذهب الإمام في هذا الباب مضطرب مما يدل على عدم اطمئنانه في النفي والإثبات في مسألة الصفات؛ ولماذا لا نحسن الظن بهذا الإمام العظيم ونقول أن مذهب الإثبات هو الذي استقر عليه ومات عليه مادام أن هناك مايثبت ذلك ويؤيده. وهب أن الأمر خلاف ذلك فهو إمام مجتهد مأجور أجراً واحداً لنيته الجميلة في إرادة الخير وقد رفع عنه الإثم في خطئه؛ لأنه لم يتعمد الخطأ ولم يقصده ولا استهان في طلبه بل بذل كل مافي وسعه وطاقته، قال الإمام الأثري الشوكاني اليماني في رسالته " شرح الصدور في تحريم رفع القبور " (2):

" فمن كان دليل الكتاب والسنة عليه معه فهو الحق، وهو أولى بالحق، ومن كان دليل الكتاب والسنة عليه لا له كان هو المخطىء ولا ذنب عليه في هذا الخطأ إن كان قد وفى الإجتهاد حقه بل هو معذور بل مأجور كما ثبت في الحديث الصحيح: " إذا اجتهد فأصاب فله أجران، وإن اجتهد فأخطأ فله أجر " فناهيك بخطأٍ يؤجر عليه فاعله ولكن هذا إنما هو المجتهد نفسه إذا أخطأ لا يجوز لغيره أن يتبعه في خطئه، ولا يعذر كعذره، ولا يؤجر كأجره، بل واجب على من عداه من المكلفين أن يترك الأقتداء به في الخطأ ويرجع إلى الحق الذي دل عليه الكتاب والسنة ... ".

وهذا الخطأ مغفور حتى في المسائل العلمية، قال شيخ الإسلام ابن تيمية ـ رحمه الله ـ في " مجموع الفتاوى " (3/ 345):

" ... وهكذا الأقوال التي يكفر قائلها، قد يكون الرجل لم تبلغه النصوص الموجبة لمعرفة الحق، وقد تكون بلغته ولم تثبت عنده أو لم يتمكن من فهمها، وقد يكون عرضت له شبهات يعذره الله تعالى بها، فمن كان من المؤمنين مجتهداً في طلب الحق وأخطأ، فإن الله سبحانه وتعالى يغفر له خطأه كائناً ما كان، سواء كان في المسائل النظرية أو العلمية، هذا الذي عليه أصحاب النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وجماهير أئمة المسلمين ... ".

وقال أيضاً ابن تيمية (20/ 165ـ 166):

" ولا ريب أن الخطأ في دقيق العلم مغفورٌ للأمة، وإن كان ذلك في المسائل العلمية، ولولا ذلك لهلك أكثرُ فضلاء الأمة!

وإذا كان الله يغفرُ لمن جهِلَ تحريم الخمر لكونه نشأ بأرضِ جهلٍ مع كونه لم يطلب العلم، فالفاضلُ المجتهدُ في طلب العلم بحسب ما أدركه في زمانه ومكانه، إذا كان مقصوده متابعة الرسول صلى الله عليه وسلم بحسب إمكانه هو أحق بأن يتقبل الله حسناته، ويثيبُ على اجتهاداته، ولا يؤخذه بما أخطأ، تحقيقاً لقوله: (ربنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا) ".

* ولا شك أن أبا محمد بن حزم ـ رحمه الله ـ هو سيف السنة وناصرها، وقامع البدعة ومحذر منها فحياته رحمه الله كلها جهاد في سبيل الله؛ لأنه عرف الناس بالنصوص وحرر العقول من التقليد، ونشر السنة ورد على الأباطيل التي شوهت جمال الإسلام وعظمته، وحارب العصبية، والاستماتة في التقليد وابعد كلمة (الأصحاب) و (علمائنا) من ميدان الحجة والبرهان، وتجد في كتبه من كثرة الإطلاع على الأقوال والمعرفة بالأحوال والتعظيم لدعائم الإسلام ولجانب الرسالة ما لا يجتمع مثله لغيره، وما يدهشك أيها القارىء لكتبه وتصانيفه من سحر البيان وقوة البرهان. فكل هذا وذاك يؤكد أنه بحق سيف السنة وناصرها، وقامع البدعة، رحمه الله رحمة واسعة.

قال مبارك: أخي الفاضل الكريم ابن وهب ـ حفظك الله من كل فتنة وشر ـ تمنيت أنك ابتعدت عن الكلام عن ترجمان المعارف الإسلامية أبي محمد بن حزم لما أكنه لك من تقدير وأدب واحترام وعهدي بك أن لا تخوض في مثل ذلك.

اشكر الإخوة جميعاً واخص بالذكر (مقاتل 7) و (ابو داود) و (واحد من المسلمين).

* الرجاء من الإخوة عدم الخوض والكلام عن الأئمة الأعلام حتى لا يحصل بذلك فرقة وتنافر وضغائن بل يجب أن يكون شعارنا هو حب العلماء والترحم عليهم والترضي عنهم والاستغفار لهم ويصبح شعارنا هو قوله نعالى: (والذين جاءو من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير