تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وأنت إذا امعنت النظر في مقالات أكابر المجتهدين المشتغلين بالأدلة وجدتها من مذهب الظاهر بعينه بل إذا رزقت الإنصاف وعرفت العلوم والإجتهاد كما ينبغي ونظرت في علوم الكتاب والسنة حق النظر كنت ظاهرياً أي عاملاً بظاهر الشرع منسوباً إليه لا إلى داود الظاهري فإن نسبتك ونسبته إلى الظاهر متفقة وهذه النسبة مساوية للنسبة إلى الإيمان والإسلام وإلى خاتم الرسل عليه أفضل الصلوات والتسليم.

وإلى مذهب الظاهر بالمعنى الذي أوضحناه أشار ابن حزم بقوله:

وما أنا إلا ظاهري وإنني ....... على ما بدا حتى يقوم دليل (1).

وقال عن السواك:

قال النووي: وقد أنكر أصحابنا المتأخرون على الشيخ أبي حامد وغيره نقل الوجوب عن داود وقالوا: مذهبه أنه سنة كالجماعة، ولو صح إيجابه عن داود لم يضر مخالفته في انعقاد الإجماع على المختار عليه المحققون والأكثرون. قال: وأما إسحاق فلم يصح هذا المحكي عنه انتهى.

وعدم الاعتداد بخلاف داود مع علمه وورعه، وأخذ جماعة من الأئمة الأكابر بمذهبه من التعصبات التي لا مستند لها إلا مجرد الهوى والعصبية، وقد كثر هذا الجنس في أهل المذاهب، وما أدري ماهو البرهان الذي قام لهؤلاء المحققين حتى أخرجوه من دائرة علماء المسلمين، فإن كان لما وقع منه من المقالات المستبعدة فهي بالنسبة إلى مقالات غير المؤسسة على محض الرأي المضادة لصريح الرواية في حيز القلة المتبالغة، فإن التعويل على الرأي وعدم الاعتناء بعلم الأدلة قد أفضى بقوم إلى التمذهب بمذاهب لا يوافق الشريعة منها إلا القليل النادر، وأما داود فما في مذهبه من البدع التي أوقعه فيها تمسكه بالظاهر وجموده عليه هي في غاية الندرة، ولكن:

* لهوى النفوس سريرة لا تعلم * (2).

قال مبارك: كون الإمام الشوكاني خالف ابن حزم أو أهل الظاهر أو غيرهم فذلك من باب الاجتهاد الذي توجبه أصول الظاهرية نفسها.

أما تشنيع الشوكاني على الظاهرية في " إرشاد الفحول " فلم أجده إلا قوله في مبحث المجاز عندما قال: قد روي عن الظاهرية نفيه في الكتاب العزيز، وما هذا بأول مسائلهم التي جمدوا فيها جموداً يأباه الإنصاف وينكره الفهم ويجحده العقل. (3).

قال مبارك: وهذا النفي لبعض أهل الظاهر وليس جميعهم، بل ذهب شيخ الإسلام ابن تيمية وتبعه في ذلك ابن قيم إلى نفي المجاز ليس في القرآن فحسب بل في اللغة العربية ورجح ذلك العلامة الشنقيطي (صاحب أضواء البيان) في رسالة له.

* اعلم أخي الحبيب أن أبا محمد بن حزم رحمه الله يبني آراءه ـ في كل مسألة على العقل ـ والعقل عنده اول مصادر المعرفة ولقد نفى ظنون العقل من الشرع كالقياس فظنوا أنه عدو العقل ولم يعلموا أن العقل منطقه. بل إن ابن حزم قد أعطى " العقل " في منهجه مكانة تقترب من مكانة " النقل "، وبتعبير آخر: إنه جمع بين منهجي النقل والعقل في تآزر وتكامل موقناً بأن هذا هو المنهج الصحيح للبحث، فالنقل وحده لا يكفي في صحة الرواية التاريخيه، فلربما كان مضمونها عند التحليل الداخلي لا يستقيم ولا يصح عقلاً، وابن حزم يناقش الذي لا يرى إلا طريق النقل قائلاً له:

" أخبرنا الخبر كله حق أم باطل؟ فإن قال هو باطل كله أبطل ماذكر أنه لا يعلم شيء إلا به .. وإن قال حق كله عورض بأخبار مبطلة لمذهبه فلزم ترك مذهبه لذلك .. فلم يبق إلا ما كان من الخبر حقاً وباطلاً .. فإذا كان كذلك بطل أن يعلم صحة الخبر بنفسه إذ لا فرق بين صورة الحق منه وصورة الباطل، فلا بد من دليل يفرق بينهما، وليس ذلك إلا لحجة العقل المفرقة بين الحق والباطل.

والمتأمل في نقد ابن حزم للكثير من القصص الديني الذي ورد في التوراة والأناجيل يلاحظ أنه كان يحكم عقله في كل رواية من الروايات الواردة في هذين الكتابين بل الحكم بقبولها أو رفضها، ولعل هذا هو السبب في أننا نجده يقرر أحياناً أن بعض روايات التوارة هي أقرب إلى الخرافات منها إلى أي شيء آخر.

انظر إلى هذا الاستنباط الماتع من الإمام ابن حزم في تحريم أكل القرد يدلك على ذكائه الخارق وموهبته الفذه رحمه الله تعالى:

" والقرد حرام أكله؛ لأن الله تعالى مسخ ناساً عصاة عقوبة لهم على صورة الخنازير. والقردة وبالضرورة يدري كل ذي حس سليم أنه تعالى لا يمسخ عقوبة في صورة الطيبات من الحيوان، فصح أنه ليس منها وإذ ليس هو منها فهو من الخبائث، لأنه ليس إلا طيب أو خبيث فما لم يكن من الطيبات طيباً فهو من الخبائث خبيث فإذاً القرد خبيث والخنزير خبيث فهما محرمان، وهذا من البراهين أيضاً على تحريم الخنزير جملة وكل شيء منه وكل ما جاء في المسوخ في غير القرد والخنزير فباطل وكذب موضوع، وبالله تعالى التوفيق. (7/ 429 ـ 430).

ـــــــــــــــــــــــــــ

(1) البدر الطالع (2/ 290)

(2) نيل الأوطار (1/ 117 ـ 118)

(3) إرشاد الفحول (ص/ 51).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير