تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ولكن المجتهد إذا داوم على الصلاة وتحققت له من الديمومة مصالح دنيوية فليقل بغير خوف ولا وجل: هذه حكمة حققتها من امتثالي لحكم الشرع.

فهذا هو الفارق بين حكمة الشرع وحكمة الامتثال.

وبعكس ذلك تحقق قوة المسلم في مواجهة صعاب حياته بسبب الصلاة، وتحقق عصمته عن كثير من الخطايا.

فهذه حكمة راجحة لأن الله نص على أن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر، وحثنا ربنا على الاستعانة بالصلاة، واستراح بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجعلت قرة عينه فيها.

ولقد تذوق هذه الحلاوة الشيخ يحيى بن مالك بن عائذ الأندلسي رحمه الله فكان إذا دخل المسجد قال لا حنا عن الصلاة:

يارب لا تسلبني حبها أبدا ... ويرحم الله عبدا قال آمينا

والبيت في الغزل، فكان هذا من مليح التمثل ونقل الشاهد.

قال أبو عبدالرحمن: والمواظبون على الصلوات الخمس جماعة أحرص الناس على الدقة والنظام وإنجاز العمل في يومه، وأبعدهم عن الكسل والتثاؤب.

فهذا ثمرة للامتثال بلا ريب وحكمة التشريع علمها عند الله.

وهناك مواضع لا ينبغي فيها قفو الحكمة مطلقاً كالمتشابه وأوائل السور المقطعة والبادات المحضة ككون صلاة الظهر أربعاً لا ثلاثاً، وكون صلاة المغرب ثلاثاً لا ثنتين والرمي بسبع حصيات، وتقبيل الحجر الأسود، وكون الحد الفلاني ثمانين جلدة لا خمسين ولا مئة.

والقاعدة في هذا أن الله لا يسأل عما يفعل، وأن لله غيوباً استأثر بها، ومن حكمة الله ما هو داخل في غيبه والله المستعان " أ. ه.

وقال أيضاً العلامة ابن عقيل الظاهري في كتابه " العقل اللُّغوي " (ص/ 35ـ 36) وهو بصدد الحديث عن الأخذ بالظاهر واللغة:

" فالظاهر ليس هو الجمود على الحرفية، وإنما هو تحقيق القضية، فما لا تدل عليه اللغة من النص، وما لا يحتم العقل مفهوميته من ملاحنه: فليس قضية نصية.

قال أبو عبدالرحمن: ولقد رأيت الغالب عند طلبت العلم (بل هو المشهور فيما درسناه من كتب مراجعنا في الدراسة المرحلية): أن الأخذ بالظاهر يعني الأخذ بالواضح وإلغاء الخفي.

أي أن المدلول عليه إذا كان خفياً لا يكون ظاهراً حتى يكون واضحاً. وهذا وهم شائع مضلل سببه أن القوم لم يطابقوا منهج أهل الظاهر في الاستدلال على مقتضى أصول اللغة العربية.

والواقع أن الظاهر يعني الواضح الجلي والخفي الذي لا يدرك إلا بلطف. أما غير الظاهر فهو ما أبى النص أن يدل عليه.

قال عبدالقاهر عن المسرفين في التأويل: " فهم يستكرهون الألفاظ على ما لا تقله من المعاني " (1).

فهذه اللمحة من عبدالقادر أذكى عبارة في تحديد الظاهر النصي، فما لا تقله الألفاظ من المعاني فليس ظاهراً. وما تقله فهو الظاهر سواء أكان جلياً أم خفياً والظاهر النصي ظاهران:

الظاهر العرفي اللغوي الأعم الذي لا يخرج مراد المتكلم عن أحد أفراده، ومراد المتكلم المتعين. والأول هو جميع الإحتمالات الجائز استعمالها لغة كاستعمال العين للباصرة والنبع والذات والطليعة والذهب ... ألخ.

وكل احتمال لمعنى لا يصح ارتباطه باللفظ لغة أو بلاغة فهو غير ظاهر.

والظاهر الأخص المتعين إنما هو مراد المتكلم ومراد المتكلم أخص من عموم معاني اللغة. فإذا كان ما زعم أنه مراد للمتكلم ليس أحد أفراد الظاهر العرفي فليس ظاهراً، بل هو تقويل للمتكلم بما لم يقله حقيقة.

ويحمل على هذا كثير من كلام المتلاعبين بكلام الله كالصوفية والباطنية وبعض المتفلسفة والإنشائيين. وإذا لم يقم برهان من سياق الكلام أو خارجه يعين مراد المتكلم فالمدلول احتمالي وليس ظاهراً. وقد تفقه أولئك الأجلة في لغة العرب ومنطق الفكر قبل أن يتعرضوا لتفسير النصوص والاستنباط منها

قال أبو عبدالرحمن: وقد ينطلق مفسرو النصوص منطلقات تسهب في تأويل الكلام تأويلاً يخرجه عن ظاهره لظنهم أن الظاهر غير مراد في حين أن النص لا يتحقق فهمه بغير حمله على ظاهره ... " أ. ه.

* الاجتهاد: في اللغة مأخوذ من الجهد وهو المشقة والطاقة (فيختص بما فيه مشقة ليخرج ما لا مشقة فيه).

ويعرفه ابن حزم بقوله: بلوغ الجهد في طلب الحق وإجهاد النفس في تفتيشه في مواضع طلبه.

وقال مرة: بلوغ الغاية، واستنفاد الجهد في المواضع التي يرجى وجوده فيها في طلب الحق، فمصيب موفق أو محروم.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير