تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

¨ أن لا تكون السنة متعلقة بما يكثر وقوعه، (أو فيما تعم به البلوى)، لأن ما يكون كذلك لا بد أن ينقل عن طريق التواتر، أو الشهرة (بمفهومهم، الذي اصطلحوا عليه في سنة المشهورة، وقد تقدم)، لتوافر الدواعي للنقل، فإذا لم ينقل على هذا الوجه، ونقل عن طريق الأحاد، دل ذلك، على عدم صحة هذه السنة، وعلى هذا قالوا بعدم رفع اليدين في الصلاة، لأنه ورد من طريق الآحاد، مع كثرة وقوع الصلاة، في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، وقد رد الدكتور عبد الكريم زيدان على هذا الرأي بقوله: إن الحاجة لمعرفة حكم ما يقل وقوعه كالحاجة لمعرفة حكم ما يكثر وقوعه، وكلاهما قد ينقله الآحاد، فضلا عن أن الكثرة أو القلة لا ضابط لها في هذا الباب اهـ، وجدير بالذكر أن البخاري ألف جزءا في هذه المسألة بعينها، للرد على الأحناف رحمهم الله، وهو جزء رفع اليدين، والله أعلم.

¨ أن لا تكون السنة مخالفة للقياس الصحيح، ولذا اشترطوا أن يكون راوي الخبر فقيها، ولا حجة لهم في ذلك، لأن السنة في حد ذاتها أصل، لا يعارض بقياس أو إستحسان، وما قالوه عن فقه الراوي غير مقبول، لأن الصحابة رضي الله عنهم، وإن تفاوت علمهم، هم أعلم الناس بألفاظ الحديث ودلالاتها، وبمقاصد الشارع عز وجل، لأنهم شهدوا التنزيل، والله أعلم.

¨ ألا يعمل الراوي بخلاف الحديث، فالعبرة بما رأى لا بما روى، خلاف الجمهور، الذين قدموا رواية الصحابي على فعله، إن تعارضا، ولذا قالوا بصحة النكاح، بلا ولي، لأن عائشة رضي الله عنها، راوية حديث: (لا تزوج المرأة المرأة، ولا تزوج المرأة نفسها) أو كما قال صلى الله عليه وسلم، خالفت روايتها، بتزويجها بنت أخيها.

وبعد إستعراض الخلاف في قبول خبر الآحاد، عند الفرق العقائدية، والمذاهب الفقهية، يحسن بنا أن ننقل رأي أهل السنة والجماعة، المعتمد في هذه المسألة، كالتالي:

بداية ننقل نقرير الحافظ ابن حجر في شرح النخبة، مذهب متأخري أهل الحديث والفقهاء، من أن أحاديث الآحاد ظنية الثبوت، وقد أشار الشيخ مقبل رحمه الله إلى أن تقسيم الحديث إلى آحاد ومتواتر تقسيم مبتدع، وأول من قال به هو عبدالرحمن بن كيسان الأصم، وتبعه على ذلك تلميذه إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم الشهير بابن علية، وهو الإبن لا الأب، وأما ما جاء عن الشافعي أنه استعمل في "الرسالة" متواترًا فلعله أخذها عن أهل الكلام، وفصل الشيخ عمرو بن عبد المنعم حفظه الله في تعليقه على شرح النخبة، مذهب متقدمي أهل الحديث، وأهل السنة والجماعة، من أن حديث الواحد الصحيح الإسناد بنقل العدل الضابط عن مثله، إلى منتهاه من غير شذوذ ولا علة يفيد العلم والعمل جميعا، أي أنه قطعي الثبوت مثله مثل الحديث المتواتر.

ونقل ابن عبد البر في التمهيد (1/ 8) هذا القول عن قوم كثير من أهل الأثر، وبعض أهل النظر، منهم الحسين الكرابيسي وغيره، وذكر ابن خويز منداد أن هذا القول يخرج (من التخريج) على مذهب مالك، وهذا أمر بدهي، فمالك يحتج بالمرسل، فكيف بالمتصل إذا صح سنده؟، وإليه ذهب ابن حزم، وبه أخذ، حيث قال: إن خبر الواحد العدل عن مثله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوجب العلم والعمل معا، واستدل لذلك بقوله تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم}، وقوله تعالى: {إن يتّبعون إلاّ الظّنّ وإنّ الظّنّ لا يغني من الحقّ شيئًا}، وعلى هذا يكون الظن مذموما، وقد علق الصنعاني على هذا بقوله: إنه يفيد الظن، واستدل بحديث ((لا يموتنّ أحدكم إلاّ وهو يحسن الظّنّ بالله عزّ وجلّ)) وليس كل الظن ممقوتًا، والنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم يقول: ((إذا شكّ أحدكم في صلاته فليتحرّ الصّواب) أي: مبناها على التحري (أي على غالب الظن)، وهي من أشرف العبادات، ويقول أيضًا في شأن بيان العمل بالظن: ((إنّكم تختصمون إليّ، ولعلّ بعضكم ألحن بحجّته من بعض، فمن قضيت له بحقّ أخيه شيئًا، فإنّما أقطع له قطعةً من النّار))، فالنبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم قد يحكم بغير العلم، ويحكم بالظن، ويجوز أن يكون في حكمه مصيبًا وأن يكون مخطئًا، وأضاف الشيخ مقبل رحمه الله قيدا مهما لرأي ابن حزم، فقال: الصحيح أن الحديث إذا ثبت عن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم وجب قبوله،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير