تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ونقول يجب قبوله ولا نقول: يجب العمل به، لأن العمل قد يكون واجبًا، وقد يكون محرمًا وقد يكون مكروهًا، وقد يكون مستحبًّا، وقد يكون مباحًا، ونقل ابن حزم هذا الرأي عن داود الظاهري والحارث بن أسد المحاسبي، كما في كتابه (الإحكام في أصول الأحكام)، ونقل الشيخ أحمد شاكر في الباعث الحثيث، اختيار ابن الصلاح للقطع بصحة ما أخرجه الشيخان في صحيحيهما أو خرجه أحدهما، والعلم اليقيني النظري واقع به، واستثنى من ذلك أحاديث قليلة تكلم عليها بعض أهل النقد من الحفاظ، كالدارقطني وغيره، وهي معروفة عند أهل عذا الشأن، وليس معنى ذلك أنها غير صحيحة، وإنما غاية ما هناك أن اجماع الحفاظ قد فاتها، ثم نقل الشيخ أحمد، عن العراقي، هذا القول عن عدد من فقهاء المذاهب، وأكثر أهل الكلام من الأشاعرة، وابن كثير، والحافظ ابن حجر، ولكن يبدو والله أعلم، أن هذا يخالف ما سبق نقله من شرح النخبة آنفا، من تبني الحافظ رحمه الله، لمذهب متأخري الفقهاء، وبعد ذكر هذه الأقوال، رجح الشيخ أحمد رحمه الله، ما ذهب إليه أصحاب هذا القول (أي أنها تفيد العلم اليقيني).

ومن أبرز من تكلم في هذه المسألة:

§ البخاري، حيث أفرد لهذه المسألة بابا من أبواب صحيحه، فقال: باب: ما جاء في إجازة خبر الواحد الصدوق في الآذان والصلاة والصوم والفرائض والأحكام، وأورد في هذا الباب أخبارا تدل على ما ترجم له.

§ والشافعي في الرسالة، حيث قال: الحجة في تثبيت خبر الواحد، ثم ساق الأدلة على ذلك، فلا حجة بعد ذلك فيما نقله ابن عبد البر من أن الشافعي يذهب إلى إثبات العلم دون العمل بأحاديث الآحاد.

§ وأشار أبو المظفر السمعاني إلى أن القول بأن أحاديث الآحاد لا تفيد العلم أو العمل قول محدث لا أصل له، فهو من بدع الجهمية والمعتزلة لرد أحاديث الصفات التي تخالف مذهبهم المنحرف في نفي صفات الباري عز وجل، ومعظمها أخبار آحاد، فقال: وهذا رأس شغب المبتدعة في رد الأخبار، وطلب الدليل من النظر والإعتبار، وقال في موضع آخر: وإنما هذا القول الذي يذكر أن خبر الواحد لا يفيد العلم بحال، ولا بد من نقله بطريق التواتر لوقوع العلم به، شيء اخترعته القدرية والمعتزلة، وكان قصدهم منه رد الأخبار، وتلقفه منهم بعض الفقهاء الذين لم يكن لهم علم في العلم وقدم ثابت، ولم يقفوا على مقصودهم من هذا القول، ولو أنصف الفرق من الأمة لأقروا بأن خبر الواحد يوجب العلم، فإنهم تراهم مع اختلافهم في طرائقهم وعقائدهم يستدل كل فريق منهم على صحة ما يذهب إليه بالخبر الواحد، ونبه إلى خطورة هذا القول، لأنه في النهاية يؤدي إلى جرح الصحابة رضي الله عنهم، الذين هم نقلة هذه الأخبار عن الرسول صلى الله عليه وسلم، وهذا ما حدث فعلا من بعض رؤوس البدع، كعمرو بن عبيد الذي كان يشتم الصحابة رضي الله عنهم، حيث قال: فإذا قلنا: أن خبر الواحد لا يجوز أن يوجب العلم، حملنا أمر الأمة في نقل الأخبار على الخطأ، وجعلناهم لاغين، مشتغلين بما لا يفيد أحدا شيئا، ولا ينفعه، ويصير كأنهم قد دونوا في أمور ما لا يجوز الرجوع إليه والإعتماد عليه، وربما يرتقي هذا القول إلى أمر أعظم من هذا، فإن النبي صلى الله عليه وسلم أدى هذا الدين إلى الواحد فالواحد من أصحابه، ليؤدوه إلى الأمة، ونقلوا عنه، فإذا لم يقبل قول الراوي لأنه واحد، رجع هذا العيب إلى المؤدي، نعوذ بالله من هذا القول الشنيع، والإعتقاد القبيح.

وتصدى الدكتور عبد الكريم زيدان، في الوجيز لتقرير مذهب أهل السنة والجماعة بعدة أدلة، من أبرزها:

¨ أولا: قوله تعالى: (فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون)، والطائفة في اللغة تطلق على الواحد، فلولا أن خبر الواحد حجة في العمل، لما كان لإنذار من يتفقه في الدين فائدة.

¨ ثانيا: تواتر عن الرسول صلى الله عليه وسلم، إرسال أمرائه وقضاته ورسله وسعاته إلى الآفاق، وهم آحاد، ولا يرسلهم إلا لقبض الصدقات، وحل العهود وتقريرها، وتبليغ أحكام الشرع، فدل ذلك على حجية خبرهم، كما في بعثه صلى الله عليه وسلم معاذا لأهل اليمن.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير