تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قلتُ: لكن توالت العبارات والصِّيغ على تقوية ما استَظْهَرَهَ شيخ الإسلام وترجيح أن الهروي انْجَرَّ في " منازله " ـ ولا أقولُ سيرتَهُ ـ إلى مذهب الصوفية الذَميمِ في ترك علوم الشريعة والتَّعويل على الإلهامات والكشوف والعلوم اللدنِّيَّةِ المزعومة!

2) والثالثةُ من اللحظِ " توِقِظُ لاستهانة المجاهداتِ "! والثالثة من الصفاء " تَطْوي خسَّةَ التكاليفِ "! والثانية من السرور " كشف حجاب العلم وفَكّ رقّ التكاليفِ "! والثالثةُ من التمكن " أنْ يَحْصُلَ في الحضرة فوق حُجُبِ الطَّلبِ "! والصَّحوُ " مُغْنٍ عنِ الطَّلبِ " (3/ 83 و122 و137 و197 و297)! وغيرُهُ كثيرٌ!

فأما ابن القيم رحمه الله؛ فأشار إجمالاً (1/ 338) إلى أنَّ ذوقَ الفناء اسْتَوْلى على الهروي " فتَضَمَّنّ ذلك تعطيلاً من العبودية بادياً على صفحاتِ كلامِهِ ... "، لكن ذلك لم يَمْنَعْهُ من الاجتهاد في تأويل العبارات المتقدمة وصرفها عن ظواهرِها التماساً للمخارج السَّليمةِ للهرويِّ!

ولا ريب أن الموقف الأوَّلَ المجملَ مع ما أشار إليه شيخُ الإسلامِ أظهرُ؛ لأنه يُحَقِّقُ الانسجام بين عبارات الهروي هذه وأصلِهِ الفاسدِ في نفيِ الحِكَمِ والأسبابِ ويُظْهِرُ ارتباطَهُما ارتباطَ الازم بملزومِهِ!

والغالبُ أنَّ الهروي انْجَرَّ في " منازله " ـ ولا أقولُ سيرتَهُ ـ إلى مذهب الصوفية الذَّميم في إسقاط العبادات عن الواصلينَ!

3) ويصرحُ الهروي في الثالثة من لطائفِ التَّوبةِ (1/ 303) ب "أنَّ مشاهدة العبد الحُكْمَ [يعني: القضاء السابق] لمْ تَدَعْ لهُ استحسانَ حسنةٍ ولا استقباحَ سيِّئةٍ، لصعودِهِ من جميعِ المعاني إلى معنى الحكمِ "!

فأما شيخ الإسلام؛ فحمله على ظاهره في " المنهاج " (5/ 359)، ورآه منسجماً تماماً مع عقيدة الهروي في القدر وذوقه في الفناءِ!

وأما ابن القيم قدَّس الله روحه، فقال: " هذا الكلام، إن أُخِذَ على ظاهره، فهو من أبطل الباطل، الذي لولا إحسان الظن بصاحبه وقائله ومعرفةُ قدرِهِ من الإمامةِ والعلم والدين؛لَنُسِبَ إلى لازم هذا الكلام. ولكن من عدا المعصومَ؛ فمأْخوذٌ من قوله ومتروكٌ، ومنَ ذا الذي لمْ تَزِلَّ به القدمُ ولمْ يَكْبُ بهِ الجوادُ "!

* خامساً: قال شيخ الإسلام رحمه الله في " مجموع الفتاوى " (13/ 229): " وكذلك صاحب " منازل السَّائرين " يَذْكُرُ في كل بابٍ ثلاثَ درجات ن فالأولى ـ وهي أهونُها عندهم ـ تُوافِقُ الشَّرعَ في الظاهرِ. والثانيةُ قد تُوافِقُ الشرع وقد لا تُوافِقُ. والثالثةُ في الأغلب تُخالفُ، لا سيما في التوحيد والفناء والرَّجاءِ ونحوِ ذلك ".

وقال ابن القيم رحمه الله (2/ 7): " والشيخُ رحمه الله ممَّن يُبالغُ في إنكار الأسبابِ، ولا يرى وراءَ الفناءِ في توحيد الربوبية غايةً، وكلامُهُ في الدَّرجةِ الثالثةِ في معظم الأبواب يَرْجِعُ إلى هذين الأصلينِ، وقد عرفتَ ما فيهما وأنَّ الصوابَ خلافهُما ... ومن هاتينِ القاعدتينِ عَرَضَ في كتابه من الأمور التي أُنْكِرَتْ عليهِ ما عَرَضَ ".

قلتُ: في الدرجة الثالثة من " المنازل " أشياءُ كثيرةٌ صحيحةٌ مقبولةٌ، ولا سيَّما تأويل ابن القيم لها، لكن مع المضيِّ قُدُماً في الكتاب يَزداد تواتُرُ المخالفاتِ، وربما وقعتِ المخالفاتُ في الدرجة الثانيةِ، ونادراً ما تقعُ في الأولى. وبالجملةِ؛ فقريبٌ من ربع الكتاب في حدِّ مخالفةِ ما جاءَتْ به الرُّسلُ! وما هذا بالقليلِ!

* سادساً: وتابع ابنُ تيمة قائلاً: " وهذا الذي ابتدعوهُ هو أعظم عندهم ممَّا وافقوا فيه الرُّسلَ ".

قلتُ: صفحات " المنازل " تُصَدِّقُ هذا كل التصديقِ: فالرجاء رعونةٌ، وهو أضعفُ منازل المريدينَ، ولا فائدةَ لهُ إلاَّ أنَّهُ يَبْرُدُ حرارةَ الخوفِ! والتَّوكُّلُ من " أصعبِ منازلِ العامَّةِ عليهِم، وأوهى السُّبلِ عند الخاصةِ " والصبرُ من " أصعبِ منازلِ العامةِ، وأوحشِها في طريقِ المحبَّةِ، وأنكرِها في طريقِ التوحيد "! والشُّكرُ " من سبلِ العامَّةِ "! (2/ 55 و153 و 192 و 284).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير