تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأقول: قد أدخلت قيدا جديدا على قولك السابق، وهو (وأعني به خاصة البلدان المتباعدة) وهنا حق لك إيراد كلام الحفظ ابن عبد البر، ولكن لا حجة لك فيه لما تقدم ولما يأتي – إن شاء الله -

ثم إن مقتضى احتجاجك بكلام العلامة ابن عثيمين – رحمه الله – يدعوك لطرح هذا القيد لأن كلام الشيخ مبناه على الرؤية – واحتج له باختلاف المطالع - وليس على البعد أو القرب فمتى لم ير الهلال في ناحية لا يلزمهم الصوم أو الفطر، ولا يخفى عليك أن الهلال من الممكن أن يرى بالحجاز، ولا يرى باليمن أو مصر لأي سبب، وبينهما من اتفاق المطالع والقرب ما تعلمه. وهكذا من المكن أن يرى في ليبيا موافقة للملكة، ثم لا يرى في تونس لأي سبب، ثم يرى بالجزائر، ولا يرى بالمغرب لمانع يطرأ، فهل يقر كل بلد على دعواه تلك – وقد حدث هذا فعلا أو عكسه في سنة قريبة فلا تظننه خيالا – أم يقال ثبت دخول الشهر بالحجاز أو غيرها، وعلم ذلك بطريق شرعي، فعلى المسلمين التزام ذلك، والعمل بمقتضى ما ثبت. و أرجو ألاّ تحتج علي هنا بقول الفلكيين فلم أسلم بقولهم بعدُ، وإنما بحثنا هنا في ثبوت الشهر بالطريقة المعرفة عند الكافة.

ثم إن قولك: (إن توحيد المطالع هو شيء خيالي لم يحد ألبتة ... ) وأنت - لا شك - تعني لازم ذلك، وهو اتفاق أقطار المسلمين في صومهم أو فطرهم، فنعم لعله لم يحدث ذلك، ولكن ليس السبب اختلاف المطالع وحده، بل لأن العلم برؤية الهلال في مكان ما، كان يصعب إيصاله إلى مكان آخر، ولا يتم وصول الخبر إليهم إلا بعد أيام أو شهور بل وسنة كما هو الحال بين خراسان والأندلس، فكيف - والحال هذه - نتوقع أن يتحد صوم المسلمين أو عيدهم في الزمان الأول؟ أما اليوم فالحال قد اختلف كثيرا، ولكن وجدت أسباب أخرى تمنع اتفاقهم، لعلك أدرى بها مني.

والمسلمون لم يتركوا العمل بهذا إلا لما تقدم مما ذكرته لك، وقد سمعت من بعض كبار السن أنهم كانوا في الزمان الأول القريب وليس البعيد، يأتيهم خبر ثبوت الرؤية في أحد البلدان المجاورة لهم بعد يوم أو يومين فيشرعون في صومهم لحظة سماع الخبر. ويقضون ما فاتهم.

والخلاف والاختلاف في ترك العمل بموجب الرؤية – وحدة المطالع كما تعبر شيخنا - التي تثبت في بلد إسلامي أو أكثر = أشد وأوسع دائرة، والواقع المشاهد خير دليل، وليس في القول بعدم اعتبار المطالع مخالفة للحديث الصحيح كما تظن، وسيأتي بيان ذلك – إن شاء الله -.

أما بالنسبة لمسألة التوقيت الذي ذكره الشيخ ابن منيع – حفظه الله – فالذي أعلمه أن بالمملكة توقيتا واحدا، هو الذي ذكره الشيخ ابن منيع، وليس بها تعديل صيفي ولا شتوي هذه واحدة، والثانية: الشيخ يتحدث عن توقيت مكة – حرسها الله – وتحديدا إحداثيات المسجد الحرام، وليس الرياض، فهي التي تغرب بها الشمس 5:40، أما في الرياض فالشمس تغرب ذاك اليوم الساعة 5:08 تقريبا، فأين ما قلته – شيخنا – من هذا كله.

وقولك: - لم أفهم لماذا قمت بنقل كلام ابن تيمية. هل تريد أن تقول أن ابن عثيمين أخطأ بالاستناد عليه؟ إن كان كذلك فهذا لا يضر ما استنتجه الشيخ لأن اعتماده ليس على قول ابن تيمية بل على الأدلة من الأثر والعقل. وقد أصاب في كلا الدليلين. فليت النقاش يكون حول هذه الأدلة. مع أني أعتقد أن الذي نقله عن شيخ الإسلام كان عن مسألة اختلاف المطالع، وهو أمر لا خلاف فيه البتة بين الناس.

قلت: إنما نقلت كلام شيخ الإسلام – رحمه الله – لأبين لك أن مدار الأمر على بلوغ الرؤية، وليس على رؤية كل بلد للهلال، ففي ثبوت رؤية الهلال شرعا في بلد واحد غنية عن تطلبه في مكان آخر مهما تباعدت بينهم المسافات، قال شيخ الإسلام: [فالضابط أن مدار هذا الأمر على البلوغ لقوله ((صوموا لرؤيته)) فمن بلغه أنه رؤي ثبت في حقه من غير تحديد بمسافة أصلاً، وهذا يطابق ما ذكره ابن عبدالبر في أن طرفي المعمورة لا يبلغ الخبر فيهما إلا بعد شهر، فلا فائدة فيه، بخلاف الأماكن التي يصل الخبر فيها قبل انسلاخ الشهر، فإنها محل الاعتبار].

فهل الخبر اليوم يصل إلى طرفي المعمورة قبل انسلاخ الشهر أم بعده؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير