ـ[محمد الأمين]ــــــــ[24 - 11 - 04, 08:40 ص]ـ
نعود لقضية توحيد المطالع فأقول:
ثبت في صحيح مسلم (#1087) عن ابن عباس ? أنه صام في المدينة السبت ولم يصم بصيام الشام الجمعة (رغم أن كلاهما دولة واحدة تابعة لمعاوية ?)، وأثبت اختلاف المطالع. ثم قال: «هكذا أمرنا رسول الله ?». والحديث في باب «بيان أن لكل بلد رؤيتهم وأنهم إذا رأوا الهلال ببلد لا يثبت حكمه لما بعد عنهم». وقد نقل الترمذي اتفاق علماء السلف على العمل به، إذ قال بعد أن صحح الحديث (3
76): «والعمل على هذا الحديث عند أهل العلم: أن لكل أهل بلد رؤيتهم»، ولم يحك سواه.
والحق أن هذا إجماع صحيح نقله الحافظ الأندلسي ابن عبد البر في كتابه الإستذكار (1\ 283): «قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان. وكذلك كل بلد له رؤيته، إلا ما كان كالمصر الكبير، وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين». وبذلك قال ابن رشد في بداية المجتهد (1
210): «وأجمعوا أنه لا يراعى ذلك في البلدان النائية كالأندلس والحجاز».
والحافظ ابن عبد البر ثقة في نقله. والذين تكلموا عن تساهله في نقل الإجماع، إنما يعنون أنه على مذهب من يرى أن مخالفة الواحد أو الاثنين لا تضر. وهو مذهب الطبري وابن المنذر والجوهري وأكثر من ألف في الإجماع.
وأما أن ابن رشد يردد كلام ابن عبد البر، فدعوى بغير برهان. نعم، هو يهتم بالخلافات المبنية على اختلاف في القواعد الأصولية، ويتساهل في غيرها. فهذا إجماع صحيح نقله ثلاثة من علماء المسلمين، فأقل ما يكون في هذا النقل إن لم يكن إجماعاً أنه قول جماهير علماء المسلمين. وأما أن ينقل الإجماع ثلاثة من مشاهير العلماء في ثلاثة عصور مختلفة، ولا نجد معاصريهم اعترضوا على الإجماع، ثم يكون جمهور المسلمين على خلاف هذا الإجماع، فقول متهاوٍ بعيد عن الصواب بعد المشرق عن المغرب.
وأما محاولة صاحب النيل بالطعن في هذا الإجماع، فبعيد عنه. وهو معروف بأنه ممن اتبع غير سبيل المؤمنين وأنكر حجية الإجماع الذي هو المصدر الرابع في التشريع. فلذلك لا يعوّل على اجتهاداته التي شذ بها. وقد رأيت من تكلفه الشديد في تأويل الحديث الصحيح وتعطيله ما يشيب له ما تبقى من شعر الرأس. وكون القرطبي المالكي قد نقل عن مشايخه (المجاهيل) إطلاق القول بوحدة المطالع، فهؤلاء محجوجون بالإجماع الذي قبلهم. وأما احتجاجه بقومه الشيعة، فإنهم أهل خبث وضلال. ومنذ متى كنا نقبل الاحتجاج بفعل الشيعة وأهل الضلال؟
قولك: "ولا يخفى عليك أن الهلال من الممكن أن يرى بالحجاز، ولا يرى باليمن أو مصر لأي سبب، وبينهما من اتفاق المطالع والقرب ما تعلمه. وهكذا من المكن أن يرى في ليبيا موافقة للملكة، ثم لا يرى في تونس لأي سبب، ثم يرى بالجزائر، ولا يرى بالمغرب لمانع يطرأ، فهل يقر كل بلد على دعواه تلك – وقد حدث هذا فعلا أو عكسه في سنة قريبة فلا تظننه خيالا – أم يقال ثبت دخول الشهر بالحجاز أو غيرها، وعلم ذلك بطريق شرعي، فعلى المسلمين التزام ذلك، والعمل بمقتضى ما ثبت."
لعلك تذكر ما حدث السنة الماضية من ان بعض مناطق اليمن قد رأوا الهلال وقد قاموا في ليلة الاحد بالدعاء لصلاة التروايح لكن السعودية امرت بصيام يوم الاثنين. وقد رأوه في مدينة الحديدة القريبة جدا من السعودية. وهنالك اختفت الأصوات التي تطالب بتوحيد المطالع. وسبحان الله الذي بين لنا تناقضهم. مع أن السعودية تمتد إلى الشرق أكثر من اليمن وتمتد إلى الغرب أكثر من اليمن. وهي قطعا تشترك معه في الليل كله.
ثم قولك: "وهكذا من المكن أن يرى في ليبيا موافقة للملكة، ثم لا يرى في تونس لأي سبب، ثم يرى بالجزائر، ولا يرى بالمغرب لمانع يطرأ". فهذا المانع إن كان غيماً فربما، وإلا فمحال. وقولك: "وقد حدث هذا فعلا " فلا يخفاك أن دخول رمضان في هذا العصر ليست تابعة لا للرؤية البصرية ولا للحسابات الفلكية بل للقرار السياسي، وهو لا حجة فيه.
قولك: " وقولك: وأما ما نقلته من كلام شيخ الإسلام فقد أعجبني منه قوله: "فإنه متى رؤي في المشرق وجب أن يرى في المغرب، ولا ينعكس". قلت: لو تدبرته جيدا لأعجبك كله، وما بعده من الكلام يجري بحثه، لو فتح النقاش في أصل المسألة. "
هل يعني أنك موافق لشيخ الإسلام في مقولته هذه أم لا؟
قولك: "وانظر – شيخي – توقيعك أسفل مداخلاتك لعله يتعارض مع قولك هذا بطريقة أو بأخرى .. "
أقول: طالما أن للقول أصل في أقوال السلف الصالح، (ولم تكن مسألة محدثة، وهذا استثناء مهم) فإذا وافق الدليل لم يضره من خالفه. وإلا فلا يقبل، لوجود الإجماع على خلافه.
وأما مشاركتك الأخيرة فسيأتي الرد عليها غدا أو بعد غد إن شاء الله تعالى.
ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[24 - 11 - 04, 11:22 ص]ـ
أخي العزيز محمد الأمين - أحسن الله إليك -
شرطان مهمان عندي لاستمرار المذاكرة - ولا آمرك بشيء وإنما هو إلتماس-: أن تدع التعريض بأهل العلم جانبا، أما التصويب والتخطئة فلك ذلك بشرطه المعتبر عندهم.
وأن تدع ذكر الدول و السياسة، فإن كنت في مأمن فغيرك في تيه من الأرض.
واعلم يقينا أني في حاجة لاستمرار المناقشة علميا من الناحية النظرية، وأما التطبيق فهو شأن آخر فليكن كل ذلك منك على ذكر - رعاك الله، وأعانك على ما أنت فيه -.
وأما الوقت فلك ذلك، كما لي ذلك.
¥