ـ[الفهمَ الصحيحَ]ــــــــ[02 - 12 - 04, 12:33 م]ـ
أخي محمد الأمين – دام توفيقك –
قولك في المداخلة 78: ثبت في صحيح مسلم 1078 عن ابن عباس أنه صام في المدينة السبت، ولم يصم بصيام الشام الجمعة، رغم أن كلاهما دولة واحدة تابعة لمعاوية، وأثبت اختلاف المطالع. ثم قال ...
قلت: هلا بينت لي كيف أثبت اختلاف المطالع؟
وقولك: بعد ذكر كلام الإمام الترمذي – رحمه الله – ولم يحك سواه.
قلت: هذا لا يفيد شيئا – بارك الله فيك – فكلام الإمام الترمذي هذا متعقب، قال الإمام المباركفوري في تحفة الأحوذي 3/ 307 بعد كلمة الترمذي السابقة: (ظاهر كلام الترمذي هذا أنه ليس في هذا اختلاف بين أهل العلم، والأمر ليس كذلك) ثم ذكر كلام صاحب الفتح في تعداد مذاهب أهل العلم في هذه المسألة. وسيأتيك مزيد بيان لهذا فصبرا.
ثم قلت: والحق أن هذا إجماع صحيح نقله الحافظ الأندلسي ابن عبد البر ... ثم أردفته بقولك: والحافظ ابن عبد البر ثقة في نقله. والذين تكلموا عن تساهله في نقل الإجماع، إنما يعنون أنه على مذهب من يرى أن مخالفة الواحد أو الاثنين لا تضر. وهو مذهب الطبري وابن المنذر والجوهري وأكثر من ألف في الإجماع.
قلت: أما إن الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله – ثقة في نقله فنعم، هو كذلك، ولكن هل ذكر الحافظ ابن عبد البر أنه نقل هذا عن غيره؟ بل هل تجد - شيخي العزيز – دعوى الإجماع هذه عند غيره ممن تقدمه من أهل العلم؟ وأما مسألة أنه على مذهب من يرى أن مخالفة الواحد والاثنين لا تضر الإجماع، فهب أني سلمت لك – جدلا – أن هذا مذهب ابن عبد البر في حكاية الإجماع، فكيف إذا كان المخالف الإمام أبو حنيفة والإمام مالك والإمام أحمد والإمام الليث وغيرهم؟ – رحم الله الجميع – فهل هؤلاء عندك واحد أو اثنان؟ فمتى انعقد الإجماع والمخالف مثل هؤلاء؟ بل كيف يكون صحيحا والمخالف مثل هؤلاء؟ – بارك الله فيك -.
ثم اعلم – أخي – أن الإجماع فيما ذكروا لا ينعقد إلا إذا كان من الخاصة من أهل العلم، وأن يجتمع عليه كل هؤلاء الخاصة الموجودون آنذاك، فإذا خالف واحد أو اثنان لا ينعقد إجماع، على هذا جمهور أهل العلم من الأصوليين والفقهاء، وأن يظهر في العصر، ولا يظهر أحد خلافه، ويستمر حتى يعلم به أهل العصر التالي.
فإذا علمنا اتفاق أهل العلم في زمان ما على حكم شرعي، سواء اقترن باتفاقهم ذاك عمل أو لم يقترن، وعلمنا استدامتهم لهذا الحكم، ولم يظهر أحد خلافه، ولم يلحق بهذا الزمان أحد من أهل العصر الآتي ينازعهم هذا الإجماع = عندئذ يستقر هذا الإجماع ونتيقن أنه حجة شرعية صحيحة.
فإذا قال مثل هذا الإمام الهمام الحافظ ابن عبد البر – رحمه الله -: قد أجمعوا أنه لا تراعى الرؤية فيما تباعد من البلدان ... فانظر يمينك وشمالك ومن أمامك ومن خلفك فإذا لم تجد مخالفا، وقد تطاول على هذه الدعوى الزمان، فاعلم أن هذا إجماع صحيح تجب به الحجة.
ولكن إذا نظرت عن يمنك وجدت المخالف مثل الإمام مالك والإمام أحمد والإمام أبي حنيفة والإمام الليث وغيرهم، ثم نظرت عن شمالك فوجدت أتباعهم من أهل الفروع – الذين هم أدرى بأقوالهم – يصرحون بأنه لا عبرة باختلاف المطالع فيما تباعد أو تقارب من البلدان، وأنه إذا ثبت شرعا رؤية الهلال في بقعة من الدنيا وجب العمل بموجبها على من تمكّن من أداء العبادة صحيحة، أين ما كان وحل في هذه المعمورة. ثم نظرت من فوقك فوجدت قول الله تعالي يدعوا من شهد الشهر – حضره في أهله وعلمه – إلى صومه مؤمنا به محتسبا ثوابه عند ربه، ثم قول الصادق المصدوق ينادي الأمة جمعاء: (صوموا لرؤيته ... ). ثم نظرت خلفك فعلمت يقينا أن الشهر بين هلالين وقد ثبت شرعا أن هذا اليوم من رمضان، فكيف والحالة هذه يصح هذا الإجماع أو يقبل من قائله؟
¥