تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[محمد الأمين]ــــــــ[27 - 09 - 02, 05:35 ص]ـ

وهذه الأحاديث كلها ضعيفة جداً أو موضوعة، لا يصحّ منها شيءٌ أبداً. ولو فرضنا صحة واحدٍ منها، فهو متعارضٌ بصراحة مع النصوص المتواترة الصحيحة الثابتة في خروج النساء إلى المساجد وإقرار رسول الله r لهنّ، والخلفاء الراشدون من بعده. فيلزم على طريقة الشافعية الجمع بين النقيضين، فيحمل تفضيل صلاة المرأة في منزلها على صلاة النافلة. وقد أخرج البخاري (5\ 2266) و مسلم (1\ 539) في صحيحيهما حديث: «فعليكم بالصلاة في بيوتكم، فإن خير صلاة المرء في بيته، إلا الصلاة المكتوبة». أما الصلاة المكتوبة فلا ريب أنها صحيحة.

أما عند المالكية فهو منسوخٌ بإجماع أهل المدينة أيام الخلفاء الراشدين على خروج المرأة إلى المساجد. أما عند الأحناف فهذه الموضوعات التي يحتجون بها لا تعدو في أحسن الأحوال أن تكون خبر آحاد مخالفٍ للحديث المتواتر، ولعمل جمهور الصحابة. وهو في أمرٍ عمّت به البلوى. فلا ريب أنه يكون منسوخاً. فإن قيل كيف تعرف الناسخ من المنسوخ؟ قلنا لأن الذي استقر آخر الأمر هو خروج النساء إلى المساجد.

قال الإمام ابن حزم في المحلى (4\ 201): «ثُمّ لو صحّ فيه أن صلاتها في بيتها أفضل من صلاتها في مسجدها –وهذا لا يوجد أبداً من طريقٍ فيها خير– لَما كانت فيه حجة، لأنه كان يكون منسوخاً بلا شك، بما ذكرنا من تركِهِ –عليه السلام– لهُنّ يتكلّفن التكلُّف في الْغَبَشِ، راغباتٍ في الصلاة في الجماعة معه، إلى أن مات عليه السلام. فهذا آخر الأمر بلا شك».

وقال (3\ 137): ولا يجوز أن نقطع على نسخِ خبَرٍ صحيحٍ إلا بحجة. فنظرنا في ذلك، فوجدنا خروجهُنّ إلى المسجد والمُصلَّى عملاً زائداً على الصلاة وكُلفَةً في الأسحار والظُلمة والزحمة والهواجِر الحارة وفي المطر والبرد. فلو كان فضل هذا العمل الزائد منسوخاً، لم يخلُ ضرورةً من أحد وجهين لا ثالث لهما: إما أن تكون صلاتها في المسجد والمُصلَّى مساوية لصلاتها في بيتها، فيكون هذا العمل كُله لغواً وباطلاً وتكلّفاً وعَناءً. ولا يمكن غير ذلك أصلاً. وهم لا يقولون بهذا. أو تكون صلاتها في المساجد والمصلى منحطّة الفضل عن صلاتها في بيتها –كما يقول المخالفون–، فيكون العمل المذكور كله إثماً حاطّاً من الفضل ولا بُد. إذ لا يحُطّ من الفضل في صلاة ما عن تلك الصلاة بعينها عملٌ زائد، إلا وهو محرّم. ولا يمكن غيرُ هذا. وليس هذا من بابِ تركِ أعمالٍ مستحَبة في الصلاة، فيَحُطّ ذلك من الأجر لو عمِلها. فهذا لم يأت بإثمٍ لكن ترك أعمال بِر. وأما من عمِلَ عملاً تَكلّفه في صلاته، فأتلف بعض أجرِهِ الذي كان يتَحَصَّلُ له لو لم يعملْهُ، وأحبط بعض عمَلِهِ، فهذا عملٌ محرّمٌ بلا شك. لا يمكن غيرُ هذا. وليس في الكراهة إثمٌ أصلاً ولا إحباطُ عمل. بل فيه عدم الأجر والوِزرِ معاً. وإنما الإثمُ إحباطٌ على الحرام فقط. وقد اتفق جميع أهل الأرض أن رسول الله r لم يمنع النساء قط الصلاة معه في مسجده إلى أن مات –عليه السلام–، و لا الخلافاء الراشدون بعده. فصح أنه عملٌ منسوخ. فإذْ لا شكّ في هذا، فهُوَ عملُ بِر. ولولا ذلك ما أقره –عليه السلام– ولا تركهن يتكلّفنه بلا منفعة، بل بمضرة. وهذا العُسرُ والأذى، لا النصيحة. وإذْ لا شكّ في هذا، فهو النّاسخُ، وغيرُهُ المنسوخ.

هذا لو صح ذاك الحديثان، فكيف وهما لا يصحان؟ روينا من طريق عبد الرزاق (ثقة) عن سفيان الثوري (ثبت) عن هشام بن عروة (ثقة): أن عمر بن الخطاب أمر سليمان بن أبي حثمة أن يؤمّ النساء في مؤخر المسجد في شهر رمضان. وعن عبد الرزاق (ثقة) عن معمر (ثبت) عن الزهري (ثبت فقيه): أن عاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل كانت تحت عمر بن الخطاب، وكانت تشهد الصلاة في المسجد، وكان عمر يقول لها: «والله إنك لتعلمين أني ما أحب هذا». فقالت: «والله لا أنتهي حتى تنهاني». قال عمر: «فإني لا أنهاك». فلقد طُعِنَ عمر يوم طُعِنَ وإنها لفي المسجد. قال ابن حزم: ما كان أمير المؤمنين يمتنع من نهيها عن خروجها إلى المسجد لو علم أنه لا أجر لها فيه. فكيف لو علم أنه يحطّ من أجرها ويحبط عملها؟! ولا حجة لهم في قوله لها: «إني لا أحب ذلك». لأن ميل النفس لا إثم فيه. وقد علم الله تعالى أن كل مسلم –لولا خوف الله تعالى– لأحب الأكل إذا جاع في رمضان، والشرب فيه إذا عطش، والنوم من الغدوات الباردة في الليل القصير عن القيام إلى الصلوات، ووطء كل جارية حسناء يراها المرء. فيحب المرء الشيء المحظور، لا حرج عليه فيه، ولا يقدر على صرف قلبه عنه. وإنما الشأن في صبره أو عمله فقط. قال تعالى: {كُتِبَ عليكُمُ القتالُ وهو كُرْهٌ لكم}. انتهى.

وقال ابن حزم في موضوع آخر: «ولو رأى عمر صلاتها في بيتها أفضل، لكان أقَلَّ أحوالِهِ أن يَجْبُرَهَا بذلك، ويقول لها: "إنك تدَعين الأفضل وتختارين الأدنى، لا سِيَّما مع أني لا أحب لك ذلك". فما فعل! بل اقتصر على إخبارها بهواه الذي لا يقدِرُ على صَرفه. ومن الباطل أن تختار –وهي صاحبة– ويدعَها هُوَ أن تتكلَّفَ إسخاطَ زوجِها فيما غيرُه أفضلُ منه! فصحّ أنهما رأَيا الفضل العظيم الذي يَسقُطُ فيه موافقة رضا الزوج، وأمير المؤمنين، وصاحب رسول الله r، في خروجها إلى المسجد في الغَلَسِ وغيره. وهذا في غاية الوضوح لمن عَقَل». وسرد آثاراً أخرى عن الصحابة ثم قال: «فهؤلاء أئمة المسلمين بحَضرة الصحابة. ثم على هذا عمَلُ المسلمين في أقطار الأرض جيلاً بعد جيل. وبالله تعالى التوفيق».

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير