تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ـ[زياد عوض]ــــــــ[29 - 08 - 05, 01:13 ص]ـ

مجموع فتاوى ابن تيمية

المجلد الحادي والعشرون

(413 من 645)

/ وَسُئِلَ عن أكل لحم الإبل: هل ينقض الوضوء أم لا. وهل حديثه منسوخ؟

فأجاب:

الحمد للَّه، قد ثبت في صحيح مسلم عن جابر بن سمرة ـ رضي الله عنه ـ: (أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم أنتوضأ من لحوم الغنم؟ قال: إن شئت فتوضأ، وإن شئت فلا تتوضأ. قال: أنتوضأ من لحوم الإبل؟ قال: نعم، توضأ من لحوم الإبل. قال: أصلى في مرابض الغنم؟ قال: نعم، قال: أصلى في مبارك الإبل؟ فال: لا).

وثبت ذلك في السنن من حديث البراء بن عازب. قال أحمد: فيه حديثان صحيحان: حديث البراء، وحديث جابر بن سمرة. وله شواهد من وجوه أخر.

منها: ما رواه ابن ماجه عن عبد الله بن عمر سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (توضؤوا من لحوم الإبل، ولا توضؤوا من/لحوم الغنم؛ وصلوا في مرابض الغنم، ولا تصلوا في معاطن الإبل). وروى ذلك من غير وجه. وهذا باتفاق أهل المعرفة بالحديث. أصح وأبعد عن المعارض من أحاديث مس الذكر وأحاديث القهقهة.

وقد قال بعض الناس: إنه منسوخ بقول جابر: كان آخر الأمرين من النبي صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما مست النار، لم يفرق بين لحم الإبل والغنم؛ إذ كلاهما في مس النار سواء، فلما فُرِقَ بينهما فَأُمِر بالوضوء من هذا، وخير في الوضوء من الآخر. علم بطلان هذا التعليل.

وإذا لم تكن العلة مس النار فنسخ التوضؤ من ذلك لأمر لا يوجب نسخ التوضؤ من جهة أخرى، بل يقال: كانت لحوم الإبل أولا يتوضأ منها، كما يتوضأ من لحوم الغنم، وغيرها. ثم نسخ هذا الأمر العام المشترك. فأما ما يختص به لحم الإبل، فلو كان قبل النسخ لم يكن منسوخا، فكيف وذلك غير معلوم.

يؤيد ذلك [الوجه الثاني] وهو أن الحديث كان بعد نسخ الوضوء مما مست النار، فإنه بين فيه أنه لا يجب الوضوء من لحوم الغنم، وقد أمر فيه بالوضوء من لحوم الإبل، فعلم أن الأمر بذلك بعد النسخ.

/ الثالث: أنه فرق بينهما في الوضوء، وفي الصلاة في المعاطن -أيضًا- وهذا التفريق ثابت محكم لم يأت عنه نص بالتسوية بينهما في الوضوء والصلاة، فدعوى النسخ باطل، بل عمل المسلمين بهذا الحديث في الصلاة يوجب العمل فيه بالوضوء؛ إذ لا فرق بينهما.

الرابع: أنه أمر بالوضوء من لحم الإبل، وذلك يقتضي الوضوء منه نيا ومطبوخا، وذلك يمنع كونه منسوخًا.

الخامس: أنه لو أتى عن النبي صلى الله عليه وسلم نص عام بقوله: لا وضوء مما مست النار، لم يجز جعله ناسخًا لهذا الحديث من وجهين:

أحدهما: أنه لا يعلم أنه قبله، وإذا تعارض العام والخاص، ولم يعلم التاريخ فلم يقل أحد من العلماء أنه ينسخه، بل إما أن يقال الخاص هو المقدم، كما هو المشهور من مذهب مالك والشافعي وأحمد في المشهور عنه، وإما أن يتوقف، بل لو علم أن العام بعد الخاص لكان الخاص مقدما.

الثاني: أنه قد بينا أن هذا الخاص بعد العام، فإن كان نسخ كان الخاص/ناسخًا. وقد اتفق العلماء على أن الخاص المتأخر هو المقدم على العام المتقدم، فعلم باتفاق المسلمين على أنه لا يجوز تقديم مثل هذا العام على الخاص، لو كان هنا لفظ عام. كيف ولم يرد عن النبي صلى الله عليه وسلم حديث عام ينسخ الوضوء من كل ما مسته النار. وإنما ثبت في الصحيح أنه أكل كتف شاة ثم صلى ولم يتوضأ، وكذلك أتى بالسويق فأكل منه ثم لم يتوضأ. وهذا فعل لا عموم له فإن التوضؤ من لحم الغنم لا يجب باتفاق الأئمة المتبوعين. والحديث المتقدم دليل ذلك.

وأما جابر فإنما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن آخر الأمرين ترك الوضوء مما مست النار، وهذا نقل لفعله لا لقوله. فإذا شاهدوه قد أكل لحم غنم ثم صلى ولم يتوضأ بعد أن كان يتوضأ منه صح أن يقال: الترك آخر الأمرين، والترك العام لا يحاط به إلا بدوام معاشرته، وليس في حديث جابر ما يدل على ذلك، بل المنقول عنه الترك في قضية معينة. ثم ترك الوضوء مما مست النار لا يوجب تركه من جهة أخرى، ولحم الإبل لم يتوضأ منه لأجل مس النار، كما تقدم؛ بل المعنى يختص به ويتناوله نيا ومطبوخا، فبين الوضوء من لحم الإبل والوضوء مما مست النار عموم وخصوص. هذا أعم من وجه، وهذا أخص من وجه. وقد يتفق الوجهان، فيكون للحكم علتان، وقد ينفرد

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير