(لم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر صحيح من جهة النقل)، وقال عقب حديث البراء: (… ولم نر خلافاً بين علماء أهل الحديث أن هذا الخبر أيضا صحيح من جهة النقل لعدالة ناقليه) ([36]).
4 – قال الإمام أبو بكر ابن المنذر في كتابه الأوسط ([37]): (والوضوء من لحوم الإبل يجب، لثبوت هذين الحديثين وجودة إسنادهما).
5 – قال الإمام البيهقي في معرفة السنن والآثار ([38]): ( .. وقد صح فيه حديثان عند أهل العلم بالحديث: أحدهما جابر ن سمرة …. والحديث الآخر حديث البراء بن عازب).
قلت: وقد صحح أحاديث النقض غير هؤلاء الأئمة ابن حبان ([39])، والنووي ([40])، وابن العربي المالكي ([41])، وابن تيمية ([42])، وابن القيم ([43])، والألباني ([44])، وغيرهم.
وجه الدلالة ([45]):
إن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بالوضوء من أكل لحوم الإبل، والأمر يقتضي الوجوب ما لم يصرفه صارف – كما هو مقرر عند عامة الأصوليين ([46]) - وإنما يجب الوضوء عند الانتقاض.
ونوقش هذا الدليل بالمناقشات التالية:
المناقشة الأولى:
إن الدليل منسوخ بما أخرجه أبو داود في سننه ([47]) بسنده عن جابر بن عبدالله رضي الله عنه قال: (كان آخر الأمرين من رسول الله صلي الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار).
قال الإمام الطحاوي في شرح معاني الآثار ([48]):
(… وقد روينا في الباب الأول في حديث جابر أن آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار، فإذا كان ما تقدم منه هو الوضوء مما مست النار، وفي ذلك لحوم الإبل وغيرها، كان في تركه ذلك ترك الوضوء من لحوم الإبل).
وقال الإمام النووي في المجموع ([49]):
(وأجاب الأصحاب عن حديث جابر بن سمرة والبراء بجوابين أحدهما أن النسخ بحديث جابر كان آخر الأمرين …).
وقال ابن قاسم في حاشيته على تحفة المحتاج ([50]):
(… الجواب الشافي وهو جواب الأصحاب بنسخهما بحديث جابر وكان آخر الأمرين من رسول الله صلى الله عليه وسلم ترك الوضوء مما غيرت النار).
وقال في المنهل العذب المورود شرح سنن أبي داود ([51]):
(… وأقوى أجوبة القائلين بعدم النقض الجواب بالنسخ …).
وردت هذه المناقشة بالآتي:
الرد الأول: إن النسخ في أصل المسألة (نسخ الوضوء مما غيرت النار) غير مسلم به، يقول العلامة ابن القيم في كتابه أعلام الموقعين ([52]):
(… أُمِرْنا بالوضوء مما مست النار إما إيجاباً منسوخاً وإما استحباباً غير منسوخ، وهذا الثاني أظهر لوجوه منها: أن النسخ لا يصار إليه إلا عند تعذر الجمع بين الحديثين، ومنها أن رواة أحاديث الوضوء بعضهم متأخر الإسلام كأبي هريرة، ومنها أن المعنى الذي أمرنا الوضوء لأجله منها هو اكتسابها من القوة النارية وهي مادة الشيطان التي خلق منها والنار تطفأ بالماء، وهذا المعني موجود فيها، وقد ظهر اعتبار نظيره في الأمر بالوضوء من الغضب، ومنها أن أكثر ما مع من ادعى النسخ أنه ثبت في أحاديث صحيحة كثيرة أنه صلى الله عليه وسلم أكل مما مست النار ولم يتوضأ، وهذا إنما يدل على عدم وجوب الوضوء لا على عدم استحبابه، فلا تنافي بين أمره وفعله، وبالجملة فالنسخ إنما يصار إليه عند التنافي، وتحقق التاريخ، وكلاهما منتف).
الرد الثاني: إن النسخ لا يتحقق عند العلماء إلا بشروط من أهمها تحقق تأخر الناسخ عن المنسوخ، وتعارض الناسخ مع المنسوخ، وهذان الشرطان غير متحققين في مسألتنا.
أما الشرط الأول وهو تأخر الناسخ عن المنسوخ فهو غير متحقق للآتي:
1 - لم يأت دعاة النسخ بدليل على تأخر حديث جابر بن عبدالله
(كان آخر الأمرين …) عن حديث جابر بن سمرة وغيره (توضؤوا من لحم الإبل …) … فهل يثبت تأخر الناسخ عن المنسوخ بمجرد الدعوى؟.
2 - إن الدليل المدعى نسخه نفسه يدل على عدم صحة الدعوى، يوضح ذلك الإمام ابن قدامة في المغني ([53]) بقوله:
¥